شانيدر.. أقدم وأشهر كهف في العراق

ريبورتاج 2021/01/19
...

   اربيل : سندس عبد الوهاب 

يعد كهف شانيدر من اقدم الكهوف الاثرية في عصور ما قبل التاريخ في الشرق الاوسط ومنطقة غرب آسيا، ومن اقدم واشهر الكهوف في منطقة كردستان العراق التي تعد متاحف طبيعية تعانق جبال الاقليم، ولكل كهف منها حكاية تسرد وجود الانسان في المنطقة قبل آلاف السنين، و تمثل شاهداً على عمق الحضارة التاريخية، اذ تحتل الجبال جزءاً مهماً من تركيبة المنطقة الجغرافية التي تضم بين طياتها المغارات والكهوف، ومنها طبيعية واخرى حفرها الانسان واتخذها مكاناً للسكن و العبادة او مدافن لزعماء الامبراطوريات التي تنافست وتصاعدت على ارضها.


الموقع الجغرافي
يقع هذا الكهف في جبال زاكروس عند الحافة الشمالية الغربية لسلسلة جبال برادوست على ارتفاع 822 متراً فوق مستوى سطح البحر، ويبعد نحو 4-5 كم عن الضفة اليسرى للزاب الكبير، ويقع على خط عرض 5، 36 شمالا وخط طول 20، 44 شرقا، وعلى بعد 162كم من مدينة اربيل و 43 كم من خليفان وهو على شكل مثلث عرضه 53 متراً وطوله 40 متر اً وارتفاعه 8 امتار وتقدر فتحة الكهف بـ 25متراً، ويتسع عرضاً في الداخل فيصل الى 175 قدماً ويرتفع سقفه في الوسط بنحو 45 قدماً من الارضية الحالية ويتلاشى هذا السقف في نهاية الكهف الواقعة بمسافة 130 قدماً من الفتحة وهذا هو عمقه، إلا انه ظهر في التحريات الاخيرة عام 1960م أنه توجد فتحة مسدودة في نهاية الكهف تؤدي الى كهف واسع آخر لم تجر فيه التحريات حتى الان.
 
شانيدر وجامعة ميشيغان الاميركية
وقال مدير المعهد العراقي لصيانة الآثار والتراث في اربيل، الدكتور عبد الله خورشيد في تصريح لـ "الصباح"،" تم اكتشاف الكهف من قبل الآثاري الاميركي رالف سوليكي  في عام 1951 يوم كان عضوا في بعثة جامعة ميشيغان الاثرية الاميركية للبحث والتنقيب في جبال الاقليم، وبدأ تنقيباته في الكهف تحت الطبقة المؤرخة 2500 ق.م والى الاسفل الى عمق 45 قدما في أربعة مواسم من عام 1951 الى عام 1960، ومع ذلك لا تزال أعماق من الكهف غير محفورة حتى الان، وقد كشف خلالها الى العيان أربع طبقات سماها (A،B، C، D)  تمثل أربع ثقافات مختلفة اقدمها (D) وتعود الى أواسط العصر الحجري القديم الاوسط من معدل حوالي 60 ألف سنة مضت، ثم طبقة (C) وتعود الى نهاية العصر الحجري القدم الأعلى حوالي 34 الف سنة مضت، وطبقة B2 وتعود الى العصر الحجري المتوسط الى 10875 ق.م، ثم طبقة B1 الى 10600 ق.م، وطبقة (A) الى العصر الحجري الحديث."
 
ملجأ الملوك
ويقال انه مشتق من الكلمة الكردية المركبة (شاهان- ده ر) أي ملجأ الملوك، نظراً لسعة الكهف، كما ويلفظه البعض بـ (شانيدار) أي كهف الجبل والغابة، وهنالك تأويل ثالث وهو ان الكهف سُمي باسم احد الملوك الذين سيطروا على هذه المنطقة، واكتشفها لأول مرة وهو (الشاه نظر) واصبح الاسم  شانيدر. 
 
الاكتشاف
واضاف خورشيد "تم العثور على تسعة هياكل عظمية لانسان النياندرتال، يعود تاريخ احدها الى حدود (60 الف) عام بدلالة عمق الطبقة التي وجدت فيها، علماً أن الاختبارات التي اجراها المختصون تدل على ان الاستيطان الاول لهذا الانسان في كهف شانيدر يحتمل بأنه حدث بحدود (100 عام ق.م)، واعتمادا على العصور الجليدية فان انسان النياندرتال من المحتمل انه كان يعيش بجبال كردستان في أصعب الظروف المناخية، وانه كان يجاهد من أجل البقاء، فضلا عن العثور بعد الحفر والتنقيب المستمرين على الادوات الحجرية ومجموعة من المزارف والمقاشط".
 
نياندرتال والكهف
عاش الانسان القديم أو البائد المعروف بالنياندرتال في كهف شانيدر وغيره من المواقع المماثلة في العالم، وقد اعتمد في معيشته على ما كان يصطاده أو يجمعه من قوت، وقد ترك خلفه في مناطق سكناه أدواته الحجرية التي كان يستعملها في الدفاع عن النفس أو في الهجوم والصيد، وهي مصنوعة من الصوان غير المصقول، وأكثرها على هيئة الكمثرى، ويرجع تاريخها الى العصور الحجرية القديمة من النوع المعروف بالاشولي، ويقدر تاريخها بأكثر من مئة الف سنة، وساعدته قابليته الجسمية وبيئته القاسية على انماء مهاراته الفنية في اختراع هذه الآلات الحجرية، لكي يستطيع أن يحصل بواسطتها على غذائه الذي كان شغله الشاغل.
 
تاريخ الكهف
واوضح خورشيد "ان العصر الحجري الذي يعود اليه تاريخ الكهف يسمى بالعصر المستيري، غير ان منقب شانيدر قد اقترح أن يسمي العصر الذي تعود اليه طبقات الكهف بمصطلح العصر البرادوستي نسبة الى جبال برادوست"، لافتا الى "ان الطبقة (D) احتوت على آلاتِ من العصر المستيري مع بقايا هياكل عظمية لانسان النياندرتال، ومن المحتمل أن يكون زمن السكن في هذه المنطقة بحدود 60 الف سنة ق.م.، وبالاضافة الى الآلات الحجرية عثر على بقايا عظام حيوانات برية كالثيران والماعز، ما يدل على أنها كانت معاصرة لهذا الانسان، ومن أهم مكتشفات هذا الكهف الهياكل العظمية الآدمية وقد وجد العلماء الانثربولوجيون شبهاً بينها وبين انسان نياندرتال الذي سكن جبل الكرمل بفلسطين، ويرجع البعض وجود علاقة بينها وبين الانسان العاقل، فالهيكل الاول يعود الى طفل عمره ستة أشهر (اكتشف عام 1953)، والهياكل الثلاثة الاخرى تعود الى اشخاص بالغين (اكتشفت بين عامي 1956 - 1957)، أحدها بيد معوقة منذ الولادة وقد قدر عمره بـ (25) سنة".
 
جامعة كامبرج 
وعمليات البحث والتنقيب
قال الباحث والمختص في الآثار هوشيار حمة في تصريح لـ"الصباح"، "ان اقليم كردستان معروف بحضارته القديمة، وسكنها الانسان منذ قديم الزمان، لا سيما في المناطق الجبلية التي تضم عددا كبيرا من الكهوف والمغارات التي تم اكتشافها واخرى لم تكتشف لغاية الان"، لافتاً الى "ان حكومة اقليم كردستان ابرمت عقدا مع جامعة كامبرج وبالتعاون مع دائرة الآثار العامة في الاقليم، لإعادة التنقيب مرة اخرى بحكم التطورات التكنولوجية الحالية المختلفة عن منتصف القرن الماضي، وقد تم تسليم القطع الاثرية التي تم اكتشافها من قبل بعثة جامعة ميشيغان الاميركية عام 1951 الى الجهات المختصة، وهي الان محفوظة في المتاحف العراقية للآثار واخرى في اميركا".
 
أشهر الكهوف والمغارات
في الشأن ذاته قال المتحدث باسم هيئة السياحة في اقليم كردستان، نادر روستاي،  لـ "الصباح":"ان جبال اقليم كردستان تضم عدداً كبيراً من الكهوف والمغارات التي تم اكتشاف جزء منها والكثير لم يكتشف لغاية وقتنا الحاضر، ومن الكهوف المشهورة: شانيدر، هزار ميرد، زرزي، بيستون، هاوديان، سارا، دو كون، كيجكار، ومن المغارات المشهورة في الاقليم: سارا، كونه كمتيار، بيتكار وغيرها".
 
السياحة وتطوير الكهوف
واضاف روستاي "ان هيئة السياحة اعدت خطة تطويرية للمواقع السياحية بشكل عام في الاقليم، ولكن الظروف غير مؤهلة في المنطقة بسبب الاوضاع غير المستقرة بين فترة واخرى، ولأسباب عدة"، لافتا الى أن" توفر الامن والخدمات والاستقرار في المنطقة والبلد عامل مهم في جذب المستثمرين والاستثمار في القطاع السياحي لجذب السائحين والزائرين للإقليم".
واشار الى "وجود كهف (انشكي) في دهوك وهو من الاماكن السياحية، و يضم مطعماً ومقهى واماكن تتميز بجمالية فائقة تسر السائحين".