الناجون من الهجمات الإرهابية يجدون أملا جديداً

بانوراما 2021/01/20
...

كيم ويلشر

 ترجمة: شيماء ميران

كان العام 2020 عام مرض وموت بالنسبة لكل دول العالم، لكن بالنسبة لكريستين ديلكروس وسيباستيان بيساتي الناجيين من هجمات ارهابية منفصلة في لندن وباريس، فقد جلب لهما الرغبة بالحياة والمشاعر التي ظنوا أنهم فقدوها إلى الابد.

 
يقول بساتي: "جميعنا نعلم ان 2020 كان عاما مرعبا لمعظم البشرية، لكن بالنسبة لنا كان ولادة جديدة وحياة نعيشها مرة ثانية، ويبدو من الجنون ان تجد سعادة كهذه تخرجك من الأوقات العصيبة".
اما ديلكروس فتقول: "كنت أظن ان قلبي مكسور طيلة الوقت، وإن حياتي الرومانسية انتهت، حتى إلتقيت مع بيساتي".
التقى الزوجان ضمن مجموعة من الناجين من الإرهاب، بعد ان نظرا إلى بعضهما بابتسامة، ورغم ان ندوبهما غير مرئية اليوم، لكنها موجودة داخلهما.
كانت الصدمة بالنسبة لديلكروس جسدية ونفسية، فهي إمرأة تبلغ من العمر 48 عاما وذات قوام ممشوق وجسم رشيق، وتبدو من هيئتها وكأنها راقصة من العصر الكلاسيكي، ففي حزيران من العام 2017، كانت موجودة في لندن برفقة خطيبها زافيير توماس (عمره 45 سنة) لقضاء اسبوع مع بعضهما. وبينما كانا يتجولان فوق جسر لندن متوجهين إلى "برج شارد" للتمتع بالمنظر الذي يطل على خط افق المدنية، اصطدم بهما الإرهابي الذي كان يقود سيارته نوع فان، وقذف توماس إلى النهر من قوة الصدمة، وبعد مرور ثلاثة ايام تم انتشال جثته. كما اُصيبت ديلكروس بتهشم عظام الحوض وجروح مؤلمة في ساقيها وظهرها، ما تطلّب عمليات جراحية وأشهرا من العلاج قبل أن تتدرب على السير على قدميها من جديد.
أما بيساتي (39 عاما) فقد نجا من هجوم وقع في تشرين الثاني من العام 2015 على مسرح باتاكلان الباريسي، إذ كان الحاضرون في الحفل من بين المئة والثلاثين شخصا الذين لقوا حتفهم، فضلا عن اربعمئة آخرين جرحوا نتيجة موجة التفجيرات المميتة وإطلاق النار في باريس خلال تلك الليلة.
وخلال ذلك الهجوم، تبين أنه قام بإنقاذ امرأة حامل كانت متدلية من الشباك اثناء محاولتها اليائسة للهروب من الإرهابيين، ثم وقع بيد الارهابيين محتجزا كرهينة وكان في وضع يسمح له بمشاهدة الإرهابيين، وهم مستمرون بإطلاق النار على أي شخص يتحرك، ورغم انه لم يصب بأي أذى جسدي في الهجوم لكنه تعرض لصدمة كبيرة. 
 
ولادة الأمل
كان الاثنان لطيفين ومهتمين ببعضهما اثناء جلوسهما في صالة شقتهما الصغيرة بباريس، وأصبح لديهما ايمان جديد في العالم وتطلع إلى حياة سعيدة، فقد ولدا من رحم المأساة والعتمة إلى النور. 
وعندما غادرت ديلكروس وظيفتها السابقة مع فرقة إطفاء باريس دمعت عيناها، عندما تذكرت فقدانها لتوماس الذي كان حب حياتها، فناولها بيساتي منديلا وربت برفق على كتفها، وكان لذلك التصرف معنى: إنني هنا بقربك إذا احتجتني.
قبل حادث الهجوم بالسيارة، كان الخطيبان يقيمان في فندق "فور سيزن"، وقررا السير إلى "برج شارد" وعبور جسر لندن، وكان الوقت حينها التاسعة والنصف مساءً.
تستذكر ديلكروس الحادث وتقول: "لقد حجز زافييه توماس منضدة حيث كنا سنحظى برؤية منظر رائع، فهو دائما يفكر بهذه الامور، لكن كان يتملّكني شعور بالخوف، وهاجس بأن شيئا ما سيحصل، كان يوما جميلا، لكن بالتفكير بأن شيئا ما قد يحدث ظل يلازمني، ثم كان هناك لحظة سيريالية عند رؤية اضواء سيارة (فان) قادمة على امتداد الرصيف وبطريقة متعرجة لكي تصطدم بالناس، وقلت لنفسي هذه هي الطريقة التي يموت فيها المرء".
كانت الهجمة هي الأحدث في موجة الهجمات التي ضربت بريطانيا خلال العام 2017، وأودت بحياة 35 شخصا في غضون ستة أشهر، 22 منهم كانوا داخل قاعة "مانشستر أرينا"، وفي حادثة بورو ماركت، قتلت الشرطة يوسف زغبة الذي كان يقود السيارة (فان)، والإرهابيين الاخرين اللذين قفزا لكي يطعنا المارة. وخلال التحقيق الذي أجري في العام 2019 أوضحت ديلكروس كيف انها ما زالت مغرمة بخطيبها السابق زافييه توماس، وبجنون.
 
بطولة رغم الخطر
أما بيساتي فقد فُصل من عمله كصحفي ضمن كادر جريدة محلية في مرسيليا، حينما سافر مع اعز اصدقائه؛ جان فرانسوا؛ إلى باريس لحضور الحفل الموسيقي لفرقة (Eagles of Death Metal- إيكل اوف ديث ميتال)، مصمما على ان لا تفوته أية ثانية من الحفل، وتجنبا العارضة الموضوعة عن قرب، ووقفا في صدارة القاعة للمشاهدة عندما اقتحم المسرح ثلاثة مسلحين برشاشات نوع كلاشنكوف. ويعلق بيساتي: "كانت الفرقة تردد أغنية (Kiss the Devil) حين بدأ الإرهابيون إطلاق الرصاص على الجمهور، وأخذ الناس يتساقطون مثل قطع الدومينو، حتى أحسست برصاصة تمر فوق رأسي، وكان هناك اشخاص يموتون من حولي والجثث تغطي الارض، فأيقنت بأنني لو بقيت هنا فسوف اُرمى بالرصاص".
ومع استمرار القتل، ركض بيساتي بإتجاه خلف الستارة السوداء للمنصة، ولم يتمكن من العثور على مخرج الطوارئ، فركض إلى الطابق العلوي متجها إلى الشرفة. مضيفا: "حاولت النزول من الشباك لكنه كان مرتفعا جدا لدرجة لا تسمح لي أن أقفز منه، فتراجعت عن ذلك. 
ولاحظت أن هناك امرأة تتدلى في الهواء من نافذة أخرى، وكانت تصرخ ’ساعدوني، ساعدوني.. أنا حامل، ليمسك بي أحدهم‘، كانت أصابعها تنزلق، وقاربت على السقوط، حتى تمكنت من سحبها إلى الداخل".
أخذ الإرهابيون بيساتي كرهينة مع مجموعة من الحضور المتبقين في الحفل، حتى اقتحمت الشرطة باتاكلان وقتلت الإرهابيين المسلحين، ويستذكر: "ظل احد الإرهابيين موجها سلاحه نحوي، بينما كان الآخر يطلق النار على أي شخص يهبط إلى الطابق السفلي. وبعد انتهاء الموقف، عاملني الجميع كبطل بسبب إنقاذي لتلك الامرأة الحامل، غير إني لم أقم إلا بما سيفعله أي شخص آخر".
بعد سنوات من تلك الحوادث، عانى الناجيان الاثنان من اجل إيجاد معنى لحياتهما الجديدة بعد الهجمات. ولذلك قاما بالتواصل على الانترنت في بداية الامر، ثم تبادلا الرسائل على مجموعة الناجين (لايف فور باريس)، حتى اذار من العام 2019، حينما قام بيساتي بتوجيه دعوة لديلكروس لغرض الذهاب إلى منتجع الألبي للتزلج في "ليه دو ألب"، حيث كان يعمل في بار، وقبلت دعوته.
 
بداية جديدة
تقول ديلكروس: " كان امرا جنونيا، لم اخبر أي أحد، وكأنما فقدت عقلي. لكن عندما دخلت النادي حيث مكان عمله، كان الامر كأنه إنجذاب، إذ كنت تحت تأثير سحره، فأحاطني بذراعيه ولم استطع الحركة". 
ويوضح بيساتي: "لم استطع ان ارفع نظري عنها، فقد تغيرت حياتي في لحظة كما لو انها بدأت من جديد. 
ورغم أن قالت ذات مرة بأنها تشعر وكأن قلبها لن يغرم مرة اخرى أبدا بسبب وحشية ما حدث، لكنها كانت ولادة جديدة لكلينا".
ثم عاد الزوجان إلى باريس عندما فرضت فرنسا الإغلاق، وعاشا سوية ولم يفترقا ابدا منذ ذلك الوقت.
تشير ديلكروس إلى ان هجمات لندن جعلتها تشعر اليوم كما لو ان توماس موجود معها مثل ملاك حارس: "ظننت اني سأموت من الحزن ولن اُغرم مرة ثانية ابدا، لكن في كل مرة اشعر بأشد حالات اليأس والإحباط، يقدم لي المساعدة ويجيب على دعوتي، فقبل بضعة ايام من لقائي على الانترنت طلبت من زافييه معجزة، فأرسل لي سيباستيان كمنقذ، لذلك اشعر ان زافييه موجود معي ويرعاني دائما". 
لكن هل إيماءات بيساتي تعني انه غيور؟، فيجيب على ذلك: "اعلم ان زافييه بالنسبة لكريستين حب لا يُعوض وكثيرا ما تتحدث عنه وكأنه لا يزال على قيد الحياة، لكن لا يمكنني أن اكون غيورا من شخص لم يعد هنا لينافسني على حبها".
أما الآن وبعد ان نفد صبرهما في الخلاص من قيود كوفيد، فهما متحمسين للخروج من المنزل ولقاء الاصدقاء وزيارة الساحل وركوب الامواج. 
يؤكد بيساتي: " اليوم، نحن شخصيات مختلفة، ففي السابق كنا داخل جحيمنا الشخصي، ولكننا اليوم أدركنا فهما جديدا للحياة. وبفضل كريستين هزمت شياطيني. وكأنما حظينا بفرصة ثانية، وها نحن نبدأ مغامرة رائعة معا".
وتوافقه ديلكروس الرأي: "لقد كنا روحين ضائعتين ووجدنا بعضنا الاخر بشيء من المعجزة والسحر. واليوم لا نريد سوى ان نعيش".