من التحرش إلى السرقات..ظواهر غير حضاريَّة في شارع المتنبي

ريبورتاج 2021/01/20
...

   كاظـــم لازم
يستذكر عدد من أدباء تسعينيات القرن الماضي ما كان يفعله عدد من المحسوبين على الفضاء الثقافي عندما راحوا يسرقون الإصدارات الجديدة من روايات ودواوين شعر وكتب ودراسات اجتماعية من احدى مكتبات شارع المتنبي، ليقوموا ببسطها في الضفة الأخرى من الشارع بعد أن يكتبوا على صفحتها الأولى إهداء من المؤلف لشارع المتنبي الذي يعد رئة بغداد الثقافية، عبر تاريخه الممتد من أواخر العصر العباسي، وصولا إلى عصر الملك فيصل الأول، وانتهاء بأعوامه الأخيرة التي شهدت إصدارات مؤثرة في مجال التأليف والترجمة.


وعاش الشارع في عام 2020 فصلاً دراماتيكياً مميزاً بعد أن ألقى "كوفيد –19 "بظلاله الثقيلة عليه وعلى رواده وزبائنه، ليؤجلوا زياراتهم الأسبوعية المعتادة، كما شهد الشارع خلال الأشهر الماضية بروز بعض الظواهر التي لا تليق به وبمكانته المعرفية والثقافية.
 
"كوبي بيست"
الموسوعي د. علي النشمي قال عن شارع المتنبي: "كان ومازال منتجعا ثقافيا، وتحول إلى نوع من السياحة الحياتية التي يحتاجها الناس بسبب الأزمات والأحداث التي شهدها العام الماضي، ليفرز ظواهر غير ثقافية، منها التجمع الذي يحصل عند تواجد شخصية سياسية معروفة او فنية، كذلك بواباته الثقافية التي فقدت الكثير من رصانتها ومهنيتها مثل وجود قراء مقالات بسيطة لشخصيات ليس لها تاريخ وباع ثقافي، ليقرؤوا على جمهورهم الذين حضروا منذ الصباح مواضيع هي "كوبي بيست" لما نشرته بعض الصحف والمجلات، وبالتالي فقد تحول الشارع في حالته الأخيرة إلى سوق هرج ثقافي".
الخبير القانوني طارق حرب أكد: "أن من اهم الظواهر الثقافية في شارع المتنبي في عامه الأخير هي عزوف رواده عن شراء الثقافة، واقتناء كتبها فقد تحول إلى مكان للاستعراض والتباهي، فمن النادر أن ترى الكثير من رواده يحملون كتبا، كما انه أصبح مهرجاناً سياحيا مجانيا، فبين اصوات الباعة العالية، وزحمة الشباب الذين لا تعرف وجهتهم إلى أين، كما أن الكثير ممن يحضرون جمعته الثقافي يهتمون بأزيائهم الانيقة ومعهم اسرهم، اذ يبدو عليهم بأنهم يحضرون طقوس أحد الاعياد من دون معرفتهم بأنهم ذاهبون إلى مكان يعد كنزا ثقافيا".
 
خارطة الثقافة العراقيَّة
الباحث والأكاديمي جبار حسين صبري بين: "أن ازدحام الشارع بالكثير من الباعة واصحاب العربات  ادى الى تراكم النفايات وانتشارها بشكل غريب، كذلك تميز الشارع بحضور شخصيات زائفة ليست لها علاقة بالمنجز الثقافي والاعلامي، و تدعي في مناسبات كثيرة بأنها هي من ترسم خارطة الثقافة العراقية، ومن المفارقة أن بعض هؤلاء لا يقرؤون ولا يكتبون وبالتالي فقد  تحول الى باب سياحي مغلق على الثقافة، واجناسها المتعددة".
مدير مؤسسة "رؤيا" للثقافة المعاصرة حسين منذر أوضح: "لا تخلو الاماكن التي تشهد زحاما في جميع انحاء العالم من اشخاص يحملون عقدة النقص، فشارع المتنبي شهد في الاسابيع الاخيرة ظاهرتي السرقة والتحرش، والقيام بتصرفات وحركات الغاية منها لفت الانتباه، ويعد المكان محطة ثقافية وعلامة فارقة في مشهد الثقافة العراقية، فقد تحول الى العديد من الدول مثل المغرب وتونس والجزائر، التي حاكت طقوسه من خلال الزيارات التي قاموا بها للعراق، ونقلوا ما يوجد فيه من مكتبات واصداء ثقافية وفنية  إلى بلدانهم".
 
أصحاب مكتبات
سعدون هليل، صاحب مكتبة السعدون قال: "رغم تاريخي الطويل في الشارع الذي يمتد لأكثر من عشرين عاما، الا ان العام الماضي شهد العديد من الظواهر غير الحضارية ومنها التحرش وسرقة حقائب النساء، إضافة لسرقة الكتب فقد تعرضت الى اكثر من سرقة والسبب هو الكمامة، اذ لم اتعرف  على فاعلها، وعاش الشارع في السنوات السابقة عصرا ذهبيا بامتياز من خلال نشاطاته الثقافية والفنية التي اقامها مثقفو العراق الكبار و فنانوه، الا ان النشاطات انحسرت كثيرا، ولم يبق في الشارع سوى مكتباته، وكثرة المتسولين الذين صاروا يملؤون ارصفته".   
عبد الجليل طاهر، صاحب مكتبة ازهار، لفت الى انه لا يختلف اثنان على مكانة واهمية شارع المتنبي، ولكن مع الاسف القت الازمات الاجتماعية والسياسية بظلالها على رواده، خاصة في العام الماضي لتبرز العديد من الظواهر ومنها، سرقة الكتب من قبل جماعات متخصصة، وازدياد حالات التسول في الشارع، فقد رأيت مشهدا في الشهر الماضي                           قرب تمثال الشاعر المتنبي عندما طلب احد الشباب الذي يحمل هاتفا غالي الثمن من احد زبائن الشارع أن يصوره، وهو يصعد ليكون قريبا من رأس الشاعر، ليكتشف صاحب الهاتف اختفاء الشاب الذي طلب منه أن يصوره ومعه هاتفه".
 
منظمات وهميَّة
شهد الشارع خلال الاعوام السابقة ظهور اعداد كبيرة من النساء والشباب، وهم يدعون انتماءهم لمنظمات مجتمع مدني، بغية مساعدة المصابين بأمراض السرطان، ومساعدة الأيتام والمحتاجين.
الناشطة رغد حسين، دبلوم رياضيات والتي تطوعت في منظمة "كلمة للإغاثة والتنمية" قالت: "بسبب اصابة ابنتي واجراء عملية جراحية لها في مدينة الطب من خلال المنظمة التي ساعدتني ما دعاني الى أن اتطوع بها لأقوم صباح كل جمعة بجمع التبرعات للايتام والمصابين بامراض السرطان، ومع هذا هناك نساء في الشارع لا ينتمين لاي جهة واي منظمة يحملن صناديق لجمع التبرعات وهذه الظاهرة بدأت بالزيادة".
المهندس الحكومي مازن عبد الرحمن، تحدث عن الظاهرة قائلا :"نصادف هؤلاء النسوة صباح كل جمعة وهن ينتشرن على جانبي الشارع، والطريقة التي يمارسنها لا تختلف كثيرا عن المتسولين ليقمن باستدراج بعض الشباب، الذين ليسوا من زبائن الشارع بغية الحصول على المال تحت عناوين وأسماء وهمية وهي منظمات إنسانية، ومجتمع مدني".
 
مدينة سياحيَّة
تضامن عدد من الفنانين في مجالات التشكيل والمسرح والسينما مع فكرة أن يتحول شارع المتنبي والمرافق الحيوية التي يضمها بما فيها من مكتبات ومقاه تراثية، اضافة لساحة القشلة وما تحتويه من معالم تاريخية الى مدينة سياحية صغيرة تشرف عليها امانة بغداد بغية تنظيمها مع مراعاة الجدوى الاقتصادية منها.
الفنان طه المشهداني قال: "لقد انتقل شارع المتنبي وما يضمه من ايقونات تاريخية وحضارية الى العديد من الدول ومنها، فرنسا التي تحول فيها شارع الشانزليزيه الى مكان فيه الكثير من الشبه بشارع المتنبي، اضافة لدول عربية ومنها خليجية، وفكرة تحويله الى مدينة سياحية صغيرة قد تبدو متأخرة من اجل السيطرة على الشارع، ليصبح ايقونة سياحية فيها فوائد عديدة ومنها ثقافية واقتصادية".
التشكيلية شروق القباني اشارت إلى أن "الشارع  لا يحتاج الى من يذكر بتاريخه وما شهده طوال السنوات العشرين الماضية من مهرجانات وكرنفالات وفعاليات حضرها اغلب العراقيين، ومن المحافظات البعيدة والقريبة، وفكرة تحوله الى موقع او مدينة سياحية هي امنية وهدف لكل مهتم بالثقافة والفن، فالمكان وما يحيطه مع ايقونات تاريخية بغدادية اصيلة وصولا الى شارع الرشيد يحتاج الى مسرح للعروض، ودار صغيرة لعرض افلام السينما واماكن استراحة للأسر، فالعراق يشهد كل عام عددا كبيرا من المناسبات ويستحق الشارع أن تقام فيه".
الموسيقي ايهاب محمد، بين: "بعد أن نشهد تحويله الى مدينة سياحية وهذا ليس حلما بعيدا، بل هو مشروع لا يحتاج للكثير من الاموال، بل يحتاج الى لمسات اثارية وخدمية تعيد اليه رونقه، وفق حداثة البناء والترميم، كذلك انشاء قاعة كبيرة على ضفاف دجلة تخصص للمناسبات الموسيقية، لا سيما للفرقة السيمفونية الوطنية، والتي تحتاج كل شهر لتقديم حفلة بعد أن امضت عمرها الموسيقي من دون مكان خاص بها للتدريب وتقديم فعالياتها الموسيقية".
 
آراء أسرية
الموظفة الحكومية جنان عبد الله، والتي اعتادت منذ سنوات أن ترافق اسرتها صباح كل جمعة لزيارة شارع المتنبي، قالت عنه: "كان لفيروس كورونا تأثير كبير في العام الماضي، ما جعلنا نؤجل زياراتنا الاسبوعية اليه، ولكن مع انحسار الجائحة هذه الايام عادت السعادة للاسرة، ولكن مع الاسف فوجئنا بالعديد من الظواهر السلبية ومنها، انحسار النشاطات الثقافية والفنية، والتي كانت تشعرنا بالمتعة والمعرفة، اضافة لتزايد اعداد الباعة في الشارع وازدياد اعداد المتسولين فيه".
بينما اختلفت وجهة نظر الحاج سعد حوشي، ليقول: "انا انتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر من اجل السير مع زوجتي لزيارة الشارع، وابنيته البغدادية التراثية، ولزيارة مكتباته التي تزخر بآلاف الكتب المختلفة، رغم الكثير من الظواهر السلبية فيه، الا ان عشقي له طعم وسعادة لا تنتهي".