بغداد: عواطف مدلول
في ظاهرة تكاد أن تتكرر امامنا بمختلف الازمنة والظروف، لا سيما في السنوات الاخيرة، نجد أن نسبة التفوق في الدراسة لدى الاناث اكثر من الذكور وبجميع المراحل، وهناك من يضع مبررات واسباباً كثيرة لذلك، قد تتعلق بطبيعة المجتمع الذي يفرض على البنت قيوداً، تجعلها تبحث عن التميز من جهة، وسيكولوجية وطبيعة الانثى من جهة اخرى، من دون تأكيد الفرق بمستوى الذكاء لكلا الجنسين، فالتفوق ليس دليلا كافياً لذلك.
فرص الحياة
يرى احمد جاسم أن في الاسر التي تتألف من الاولاد والبنات عادة ما نجد الفتاة اكثر اهتماماً بالدراسة، ولها حضور علمي بارز جدا، لان فرصها في الحياة تكون محدودة، ولان التربية والمجتمع يضيقان الخناق عليها بمختلف الامور، وليس امامها منفذ غير هذا المجال لكي تبرز به وتجذب انتباه الاخرين، يعني أن (الولد مدلل) يمتلك حرية اوسع وهذا ما يجعله مشتتاً ودرجة استيعابه اقل، لان له مجالات اخرى يعكس بها نشاطاته، او بالعكس فرضت عليه الظروف العمل لمساعدة اسرته، فينصرف عن الدراسة، كونه منشغلاً بما هو اهم منها، بينما هي تتوجه لطريق واحد، فتتفوق به.
الأسر الكبيرة
بينما شيماء حسين (ام نور) وهي ام لبنت وولد، لا تجد فرقا كبيرا في التربية، فكلاهما متعبان ويحتاجان اهتماما ورعاية من الاهل، ولذلك يقدمان المستوى الدراسي نفسه، وعلامات النجاح بينهما متقاربة، وطبعاً كل منهما له طموحه واحلامه المستقبلية.
وتضيف "دورنا هو أن نقوم بتشجيعهم والاجتهاد في مساعدتهم على الدراسة والمثابرة، وربما الاسر الكبيرة التي لا تستطيع أن توزع الاهتمام بالتساوي بين ابنائها، قد يبرز الولد فيها وتهمل البنت، لان هناك اعتقاداً سائداً فيها، بأنها خلقت للبيت فقط، ولذا تترك الدراسة واذا تواصلت فيها، فانها تبقى تتعثر جراء الضغوطات المحبطة المحيطة بها، فليس شرطاً أن تحقق افضلية بالتعليم على الولد، هذا اذا ما كان الاهل قد رسموا لها مسبقا ومنذ الطفولة، طريقا آخر تفكر به وهو مشروع الزواج وتأسيس اسرة".
الطبيعة الانثوية
وتعتقد المعلمة نهى محمد، مارست المهنة في مدرسة للبنات وكذلك مدرسة اخرى للبنين "ان الطبيعة الانثوية التي تتمتع بالهدوء وقلة الحركة وحب العطاء والدقة والحرص والترتيب، وغيرها من التفاصيل التي تأتي بها البنت من محيط البيت اولا وتعكسها في المدرسة، وطبعا تلك امور غريزية، غالبا ما تدعمها كي تصل بها الى مراتب التميز والنجاح، وفي بعض الاحيان يحصل العكس قد تلهيها وتجعلها ضعيفة، لكن عموما البنت لانها متفرغة لاثبات ذاتها وحسن خلقها وخجلها يدفعها للتفوق وتجاوز كل العقبات من اجل ذلك، بينما من النادر أن نرى ولداً يفكر بتلك الطريقة، لان طبيعته اكثر حركة وانشغالا ويعيش الواقع ولا يحلم كثيرا بمستقبل افضل، ويبقى الامر متعلقا بالمبادئ والقيم التي غرست فيه، فهي التي تشكل الدافع الرئيس للتفوق او للاخفاق ".
وتضيف "اثبتت حاليا الطريقة الالكترونية للتعليم حقيقة ان البنت لا تتعب اهلها ولا حتى معلمتها، ومتعاونة ومتفهمة جدا، واكثر انضباطا والتزاما من الولد، الذي غالبا ما يضع عراقيل شتى، ومن الصعب ارضاؤه".
مجتمع ذكوري
وتتحدث الدكتورة ايمان الشويلي عن ظاهرة تفوق الفتيات على الأولاد في الدراسة موضحة "بداية لابد لنا من تحديد المسألة، هل هي ظاهرة او حالة استثنائية او نسبية، او نتيجة ظروف معينة؟، كل هذه التساؤلات نجد لها تفسيرات واقعية من خلال الدراسات وآراء المختصين في هذا المجال، البعض قال إنه من المجحف أن تعد هذه المسألة ظاهرة، لأننا نجد أن الكثير من الأولاد هم من البارزين بالتفوق والاجتهاد في مجال الدراسة، والبعض يقول إن هذه المسألة كانت نتيجة لعوامل وظروف اجتماعية وثقافية وتربوية وحتى نفسية".
وتضيف "وبكل الاحوال هي مسألة واضحة وأصبحت فعلا ملاحظة بوضوح في السجلات والنتائج السنوية للدراسة بكل مراحلها، وصولا الى الدراسة الأولية في الجامعات، إذن اذا تتبعنا العوامل المؤثرة بهذه الظاهرة نجدها قد تأثرت فعلا بما ذكرناه من عوامل مثل البيئة الأسرية ، ونجد أن طريقة تربية البنات والمتابعة والحرص الكبير الذي تحظى به الفتيات داخل الأسرة انعكست على تكوين شخصياتهن المنظمة والحريصة في جانب التحصيل الدراسي، وكذلك فان الفتيات يصارعن لإثبات الوجود والتميز في مجتمع يعتبر ذكوريا، وعلى المرأة أن تجاهد وتتميز لإثبات الوجود فيه".
الجانب النفسي
وتختتم الشويلي قائلة "بينت أيضا مجموعة من التربويين أن المسألة ليست مسألة ذكاء أو ان الفتيات أكثر ذكاء من الأولاد إنما هي مسألة اهتمام ومتابعة، فالاولاد أكثر انشغالا وحياتهم فيها الكثير من الأمور التي تشتت انتباههم وتجعلهم أقل متابعة واهتماما بدروسهم وتحصيلهم الدراسي، ومن هذه الأمور الجانب النفسي الذي أثر بشكل سلبي في الأولاد، إذ انهم قد يعيشون حالة يأس من إيجاد فرصة عمل وان الجد والاجتهاد والتحصيل الدراسي ليست لها فائدة مستقبلية، واحساسهم الكبير بالاحباط من هذه الناحية، التي تولد ايضا تراجع الاهتمام بالتحصيل الدراسي، ونجد الكثير من الذكور يتوجهون نحو الانشغال بأعمال لتلبية متطلبات الحياة المادية في عمر مبكر لوقوع المسؤولية على عاتق الرجل قبل الفتاة، و يرى بعض المختصين أن الفتاة عادة مرتبة ومنظمة أكثر من الشاب في كل جوانب الحياة، أحد المدرسين يقول حتى في اوراق الامتحان نجد التنظيم والأناقة والخط بصورة مميزة لدى الفتيات أكثر من الأولاد".
في النتيجة نقول انه فعلا وبإثبات الدراسات العالمية، الفتيات أكثر تميزا ونجاحا في مجال التحصيل الدراسي ونقول لكل مجتهد نصيب.