بغداد: نورا خالد
أثارت عمليات التجميل مؤخرا جدلاً واسعاً بين فئات المجتمع المختلفة، لأنها لم تعد مقتصرة على النساء كما كان متعارفا عليه، وانما باتت تستقطب الكثير من الرجال، حتى اصبحت مثاراً للانتقاد لأنها تخالف عادات وتقاليد مجتمعنا، ولعلم الاجتماع رأي في هذا الموضوع حسب قول الدكتور عبد الواحد مشعل الاستاذ في جامعة بغداد، اذ أكد في حديث خص به لصفحة (الاسرة والمجتمع) ان ظاهرة التجميل لدى الذكور غريبة على الثقافة العراقية، ويمكن وصفها بالمستحدثة،
جاءت مع ازدياد استخدام وسائل الاتصال الحديثة من قبل الشباب والمراهقين، اذ كان للتقليد عامل أساسي في انتشارها، عندما لا يتصالح الشخص مع ملامحه ونفسه، يسعى لاجراء اكثر من عملية واحدة حتى يصل باعتقاده الى اعلى مستوى من الجمال والمثالية ويصبح مقبولا في مجتمعه.
ويعزو مشعل أسباب انتشار الظاهرة الى « التقليد» فالمراهقون والشباب في هذه المرحلة العمرية ميالون الى التقليد مما يرونه من مظاهر ثقافات أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما ان كثيرا من الشباب يحاول أن يكون مقبولا من قبل الجنس الآخر، معتقدا أن التجميل سيجعلهم أكثر قبولا من قبل الانثى ، حتى يحظى بالقبول، وايضا هناك الشعور بالنقص، لاسيما عند أولئك الذين يشعرون بأنهم يحتاجون الى تعديل في وجوههم أو أشكالهم أو شعرهم أو أسنانهم وحتى لون البشرة، فيحاولون الوصول إلى الصورة، التي هم يعتقدون انها ترضيهم، ولا ننسى دور الترويج لمراكز التجميل المخصصة للسيدات» لكن عامل الربح أخذ يلعب دورا في جذب بعض الذكور، إليها لإجراء حتى أصبح للتجميل ثقافة متداولة اولا بين النساء وبدأت تنشر بين الذكور، واخيرا فإن العادات والتقاليد أصابها كثير من التصدع ما جعل ممارسة سلوك التجميل من قبل الذكور، تأخذ مسارا اجتماعيا لا يجد رادعا ولا حسيبا من قبل المجتمع، بالدرجة التي كان ينظر اليها سابقا مما سمح بدرجة أو أخرى لكثير من الشباب ممارستها، الا انها من حيث مقبوليتها الاجتماعية تبقى ضعيفة ويمكن أن تكون ممارسات طارئة.
ظاهرة طارئة
ويختتم مشعل حديثه بالقول «يرى علم الاجتماع في الظواهر الغربية شيئا طبيعا وسط تغيرات ثقافية قد تحصل في المجتمع، إذ تميل الأجيال الجديدة إلى تقليدها كما مر على المجتمع إبان حقبة السبعينات من موضة بنطلون (الجارلس) أو ظاهرة (الخنافس)، اذ انتشرت آنذاك بشكل واسع بين الشباب وهم يقلدون الفتيات، رغم ان المؤثرات الإعلامية كانت ضعيفة، فما بالك اليوم في ظل الإعلام الجديد الذي أصبح متاحا بشكل فردي، وينتشر بشكل واسع في مختلف المجتمعات، ولكنها تبقى ظاهرة طارئة لا تصمد عندما يجد الشباب عملا منتجا، ويتم توجيههم نحو الإنجاز مع بلورة وعي اجتماعي يضع الإنسان امام مسؤولياته المختلفة.
أكثر عمليات التجميل رواجاً بين الرجال هي عمليات شفط الدهون، خصوصاً من منطقة البطن، وعمليات تجميل الأنف التي تجرى بشكل شائع، سواء تلك التي تقوم بتصغير الأنف أو تكبيره أو رفعه، ثم عمليات شد البطن وزراعة الشعر.
مؤشرات ومعايير
اختصاصي علم النفس الدكتور ايسر فخري بين أن « ظاهرة تجميل الرجال تدخل ضمن مؤشرات المجتمع ومعاييره، فاذا رجعنا الى فترة السبعينات مثلا تقوم على الثقافة، اي أن المثقف الايديولوجي هو المرغوب والرغبة يحددها اختلاف الجنس، اي ان النساء في ذلك الوقت هي التي تؤشر معايير الرجل، اما في فترة الثمانينات كان مؤشر العسكرة والدارج والمرغوب من قبل النساء، وفي التسعينات كانت المؤشرات المادية هي الدارجة، اي يستطيع الرجل ان يوفر الحياة الكريمة للمرأة هو المعيار الحقيقي، اما في الالفية الثانية نرى أن مؤشر الجمال بدا يطفو على السطح من خلال النساء التي عملت على درج هذا المعيار ضمن المعايير المرغوبة فيها، الذي أصبح المؤشر الأول ضمنها سواء المادية او المهنية اوالثقافية، فالبحث عن الجمال في الرجل لدى الاناث هي التي تدفع به الى تحسين مظهره، اي ان النساء هن السبب في سعي الرجل إلى جراحة التجميل.
ويضيف فخري «اذن المعايير سواء التي كانت سائدة او الحالية الطرف الاخر هو الذي ينميها وهو الذي يجعل منها معيارا مقبولا، لدى الاخر وهو نتاج ثقافات الشعوب وثقافات الأزمنة، وتزداد مثل هذه الثقافات عند المجتمعات الاقل ثقافة.