أغنية الام

ثقافة شعبية 2021/01/23
...

حمزة الحلفي 
 
"اكبرت يايمه والايام تمشي، وشفت ميعادل الام ثمن كلشي" ييمه الشمس من تمشين تمشي"، اي تجسيد شعري هذا الذي كتبه بحرفة وشاعرية سحرية عالية كريم العراقي، بحق الام، وان كان الخوض الكتابي في هذا الموضوع سهلا ومتيسرا لما يحمله من مضامين حاضرة وجاهزة الاسترسال في معالم الام الجامعة لكل مشاعر الكون وارتباطها الالهي باولادها البنين والبنات.
وقد لا يختلف اثنان على مدى الانتماء لها بقدر اكبر من الانتماء الى الاب وصورته الحازمة التي تصل احيانا الى حد القساوة الحريصة.
ولو ذهبنا الى انموذج آخر من هذه الاغاني التاريخية الخالدة، فاكيد سوف تقفز الى الذهن رائعة الراحلة زهور حسين "غريبة من بعد عينج ييمه" لشاعرها الراحل جبوري النجار، وهي تتحدث بموضوعها عن الام المتوفية بلسان ابنتها التي اجادت دورها بطربية نادرة المطربة زهور حسين، واداء شجي ابكى كل العراقيين آنذاك ولا يزال يبكينا حتى هذا اليوم.
وللعلم ان المقطع الذي يقول: "كضيتي لجلي ايام وليالي سهرانه عليه.. ولو شفتي الالم اثر بحالي رضيتي بالمنية"، استفاد منه الشاعر المصري حسين السيد صاحب اغنية "ست الحبايب" لملحنها محمد عبد الوهاب ومطربتها فائزة احمد، وتحدد هذه الاستفادة في التقارب الشعري في كوبليه الاغنية ومطلعه: "زمان سهرتي وتعبتي وشلتي من عمر الليالي.. ولسه بردو دلوقتي بتحملي الهم ابدالي".
وقد بات واضحا تأثير الاغنية العراقية في المصرية من خلال هذا التوارد الذي بيناه حتى انه لم يكتف بالقفز على الموضوع انما عبر الى التقطيع الشعري، فاستخدم حتى عدد المفردات في الاغنية. ولو عملنا احصائية لاغاني الام في الدول العربية والعالم، لوجدنا ان العراق يحتل المرتبة الاولى بامتياز من حيث الكم والنوع اللذين احسنا في تقديم معاناة الام العراقية؛ بما لاقته من نكبات استثنائية.
 ويقيناً بعد انتاج اغنية سعدون جابر التي ذكرتها في مقدمة كتابتي وحتى يومنا هذا لم يظهر عمل جاد ومؤثر من هذا النمط النخبوي الذي تعودناه ماعدا بعض السطحيات غير الغنائية التي اساءت لهذا التفرد المحلي.
ولا يفوتني اخيرا، ان اذكر أن اكثر مادفعني لكتابة هذا الموضوع المختصر واستفزني حقيقة انني سمعت اخيرا بما تسمى اغنية من فصيل الكوارث التي تحاصرنا هذه الايام: "ولك خيي ود امك بطيارة.. ترى امك اصيلة تربات العمارة" المشكلة هنا ان المؤدي يدرج "اضحوكته" هذه بعنوان انها مهداة للام ويسجلها في صفحة الروائع التي تحدثنا عنها.