تحذيرات من بؤر التلوث في بغداد

ريبورتاج 2021/01/25
...

   سعد السماك
حذر خبير دولي بالصحة البيئية والبنى التحتية للمدن الكبرى من انتشار اخطر أنواع التلوث في الهواء والماء والتربة، والإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث من أبراج الهواتف النقالة، وتأثيرها في الصحة العامة، اذ ان هناك ملوثات للماء في بغداد ومراكز المدن الكبرى بشكل خاص وهي مياه الصرف الصحي التي تسبب عند انتقالها إلى الأنهار والتربة تلوثاً خطيراً يؤدي إلى ضرر كبير لا يحمد عقباه على الصحة العامة.


منتوجات مهددة
وقال البروفيسور أ. د. محمد العبيدي المستشار السابق غير المتفرغ مع برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة في حديث خاص خلال زيارته للبلاد "انه ومن  خلال عملي كمستشار بالصحة البيئية مع العديد من المنظمات الدولية، فإني لم أجد أو أشاهد خلال زيارتي وعملي في 56 عاصمة ومدينة في العالم بؤرة تلوث بيئي- صحي تخل بالتوازن البيئي وتشكل خطراً كبيرا على الصحة العامة كالذي شاهدته في العراق".
مبيناً ان "اخطر  تلوث في العالم، هو تلوث المياه، اذ انه يؤثر ليس فقط في صحة البشر في جنوب منطقة محطة الضخ في صدر قناة الجيش، بل في التربة و كل المنتجات الزراعية التي تسقى من تلك المياه الملوثة وعلى امتداد نهر دجلة".
 
أخطر بؤر التلوث
واوضح العبيدي انه قام بزيارات لبعض مناطق العاصمة للكشف عن بؤر بيئية تمثل مواقع خطرة مخلة بالصحة العامة، فوجد على سبيل المثال لا الحصر، أن هناك موقعين في العاصمة يعدان من أسوأ بؤر الإخلال بالتوازن البيئي في بغداد وأخطرها على صحة الإنسان، واحدهما المبزل الواقع غرب بغداد، والذي يبدأ من منطقة العبيدي وينتهي ليصب بنهر دجلة عند صدر قناة الجيش، اذ يعد بتقديري واحداً من أخطر بؤر التلوث البيئي والصحي في دول العالم الثالث، وذلك نظراً لاتساع رقعته الجغرافية، اذ يبلغ  طوله بحدود 40 – 45 كلم، ولأنه يمر في أكثر المناطق كثافة بالسكان في العاصمة، كما أنه يستعمل لتصريف المياه الثقيلة للدور السكنية التي يمر بها، فضلا عن رمي كل أشكال الأوساخ والقاذورات والحيوانات الميتة فيه".
لافتا الى أن "من بين أنواع التلوث أعلاه يعد تلوث الماء من أوائل الموضوعات التي اهتم بها العلماء والمختصون بمجال التلوث، وليس من الغريب أن يكون حجم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أكبر من حجم تلك التي تناولت باقي فروع التلوث، ولعل السر في ذلك يعود لسببين، وهما إن أهم ما يميز البيئة الطبيعية هو التوازن الدقيق القائم بين عناصرها المختلفة والذي يسمى بالتوازن البيئي، وإن أي تغيير غير مرغوب فيه لعناصر البيئة ناتج عن أنشطة الإنسان سيسبب ضرراً للصحة الإنسانية والكائنات الحية وبذلك يعد تلوثًا بيئيا".
 
دعوات ونصائح
ودعا العبيدي الحكومة العراقية الى  ضرورة الاسراع في ردم مبزل غرب بغداد تماما، كما تم ردم نهر الخر سابقا في عام 2002، وإيقاف العمل بمحطة جمع وضخ مياه الصرف الصحي في منطقة السبع ابكار ومن ثم ردمها والتخلي عنها تماماً.
واضاف "كما ننصح الجهات المسؤولة عن البيئة في العاصمة والمسؤولة عن التخلص من مياه الصرف الصحي فيها بالاستفادة من الطرق الحديثة في معالجة مياه الصرف الصحي وكيفية الاستفادة منها بعد معالجتها".
 
اشعاعات الأبراج
و نبه العبيدي الى "ان التلوث بالإشعاع الكهرومغناطيسي الذي ينبعث من أبراج الهواتف النقالة والأضرار البيئية المباشرة الناجمة عن العمليات العسكرية في العاصمة بغداد والمدن والاحياء السكنية في البلاد، أكثر تأثيراً في الانسان من بقية فروع التلوث".
 وقال: "ان التلوث الإشعاعي في موقع منظمة الطاقة الذرية العراقية بمنطقة التويثة في بغداد وسكراب الحديد والمواقع  العسكرية التي استهدفت خلال العمليات العسكرية عام 2003 وحطام السفن والبواخر وناقلات النفط في الموانئ وشط العرب، وتأثيرات مشروع النهر الثالث في ازمة المياه، وزيادة عدد العواصف الترابية والرملية والعواصف الملوثة بالمعادن الثقيلة التي ادت لتلوث العراق باليورانيوم المنضب، قد احدثت تغييرا خطيرا بطبيعة التوازن الدقيق في البيئة القائم بين عناصرها المختلفة، أي الحفاظ على التوازن البيئي، لأن أي تغيير غير مرغوب فيه لعناصر البيئة سيسبب ضرراً للصحة الإنسانية والكائنات الحية وبذلك يعد تلوثًا بيئيا".
 
منع وتجريم
ويرى العبيدي ان "تراكم الاخطاء والجرائم البيئية من دون معالجة وتشريع قوانين صادمة لها القدرة على الردع، قد احدث قصوراً كبيراً في الاداء الوظيفي للجهات الرقابية، وكذلك المسؤولة عن التطور العمراني والصناعي، خاصة الصناعات الكيميائية والبتروكيميائية والنفطية، وان الجرائم البيئية المرتكبة تشكل اخطر انواع الجرائم الدولية المنظمة ضد العراق في عصرنا الراهن، ودعا الحكومة المركزية ومجلس النواب الى اتخاذ اجراءات عاجلة.
ودعا الى تشكيل هيئة للصحة البيئية في أمانة بغداد والمحافظات بالتنسيق مع المحاكم المختصة، وتكون  هيئة رقابية تفتيشية، مهمتها منع وتجريم أي إخلال بعوامل الحفاظ على بيئة صحية في العاصمة.
 
الدولة الوحيدة
فضلاً عن تفعيل عمل الشرطة البيئية بالتنسيق مع وزارة الداخلية، اذ ان هذا الكيان موجود ولكنه لا يؤدي أي عمل إطلاقاً، وكما هو معمول به في دول شمال أفريقيا، بل ويفضل إنشاء جهاز خاص بأمانة بغداد والمحافظات لهذا الغرض، اذ ان الغرامات تذهب مباشرة لرصيد أمانة بغداد والبلديات بالمحافظات لاستعمال قسم منها في دفع رواتب الشرطة البيئية وشراء وإدامة سياراتهم، و يجب إنشاء موقعين (واحد في الرصافة والآخر في الكرخ) لاحتجاز المخالفين لحين تجريمهم وإحالتهم للمحاكم المختصة.
واوضح العبيدي " رغم جميع ما يقدمه البرنامج البيئي للأمم المتحدة في منظمة الصحة العالمية من مساعدة للدول الأعضاء، إلا أن العراق لم يستفد أبداً من ذلك، بل على العكس إنه يسير عكس الضوابط والتعليمات التي حددها البرنامج المذكور، وما نراه من تدمير للبيئة في العراق أفضل مثال على ذلك، وباعتقادي فإن العراق هو الدولة الوحيدة في العالم التي لا تلتزم بجميع الضوابط والتعليمات التي حددتها تلك المنظمة العالمية للبيئة، وإلا لكنا رأينا العراق وقد أصبحت بيئته كما يتمناها المرء".