الهروب من الهندوراس مشياً على الأقدام

بانوراما 2021/01/26
...

ساندرا كوف
ترجمة: بهاء سلمان
غابت آني اورتيغا عن منزلها منذ أن ضرب اعصاران مدمران الهندوراس خلال شهر تشرين الثاني، تاركين مئات آلاف الناس بلا مأوى، تقف أورتيغا، 30 عاما، حالياً ضمن آخر مجاميع المهاجرين وطالبي اللجوء الهندوراسيين وهم يشقون طريقهم عبر الجارة غواتيمالا نحو المكسيك، اذ عززت السلطات هناك أمن الحدود بآلاف الأفراد من الحرس الوطني، ومن هناك صوب الولايات المتحدة التي تبعد مئات الأميال شمالا. قد تكون هذه القافلة تجديدا لآمال المهاجرين بعد تسلم الرئيس جو بايدن لمنصبه، وهو الذي تعهّد باصلاح السياسات المتشددة للرئيس ترامب بخصوص المهاجرين.
بالنسبة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كانت قوافل المهاجرين عبارة عن رمز متوهج لما أسمّاه “نظام هجرة خارج عن السيطرة” وتحركت إدارته لفرض إرادتها تزامنا مع تسليط الضغوط على المكسيك لايقاف المهاجرين الكثيرين المتجاوزين على الولايات المتحدة قبل مسافة طويلة من وصولهم قرب الحدود.     
رفع انتخاب بايدن من الآمال داخل أميركا الوسطى، التي دمرتها الفيضانات الناتجة عن أعاصير العام الماضي، علاوة على القضايا المزمنة من الفقر وعصابات الجريمة، لأن الادارة الجديدة قد تخفف من سياساتها لطالبي اللجوء والمهاجرين الآخرين. ولربما تبرهن هذه القافلة اختبارا مبكرا للادارة الجديدة وللعلاقات مع حكومة الرئيس خوان هيرنانديز، الذي تورط هو وقواته الامنية بثلاث قضايا لتهريب المخدرات الى أميركا.
 
دمار وضياع
بالنسبة لحالة أورتيغا، تسببت الفيضانات بغرق حيّها السكني في منطقة تشاميليكون المنخفضة، وهي منطقة حضرية تقع جنوب مدينة “سان بيدرو سولا” شمال غربي البلاد، وتقول أثناء سيرها مع المجموعة بعد عبورهم إلى غواتيمالا: “خسرنا كل شيء بالكامل”. وكانت الأعاصير قد أضرت بملايين الناس في أميركا الوسطى؛ ولجأت أورتيغا وأطفالها الثلاثة ووالدتها الى مخيم مؤقت اقيم تحت احد الجسور، لتتراجع مناسيب المياه في النهاية، لكنهم عجزوا عن العودة للديار: “لا تزال المنازل مليئة بالأوحال، ولم تقدم الحكومة لنا العون مطلقا، وساعدنا بعض الناس فقط”.
وما بين الاغلاق بسبب جائحة كورونا، والكساد الناتج عنه وأضرار الأعاصير، لم تتمكن أورتيغا من إيجاد عمل، لتقرر ترك أطفالها البالغة أعمارهم 8 و12 و14 سنة بعهدة والدهم وأقارب آخرين، وتنطلق قبل فترة مع قافلة المهاجرين صوب أميركا، ويشق نحو 7500 مهاجر وطالب لجوء هندوراسي طريقهم شمالا، ويواجهون اغلاقا عسكريا في غواتيمالا، وحدودا محصّنة جنوب المكسيك، مع رد أميركي غير واضح المعالم تحت ظل ادارة جديدة، وينبغي عليهم عبور كل هذه العقبات.
وأغلقت قوات الأمن الهندوراسية والغواتيمالية الطريق الحدودي، لكن الناس ضغطوا، ليرضخ رجال الشرطة في نهاية المطاف. وأصدرت الحكومة الغواتيمالية بيانا عبرّت فيه عن أسفها لاختراق حدودها وانتهاك سيادتها، داعية السلطات الهندوراسية الى احتواء المغادرة الجماعية لساكنيها، وتعالت صرخات الأطفال الصغار في إحدى ليالي سير القافلة على الأقدام صوب الحدود الغواتيمالية تحت سماء مليئة بالنجوم.
واتخذت غواتيمالا مؤخرا إجراءات طوارئ في سبع مقاطعات من أصل 22 مقاطعة تتألف منها البلاد، مقيدة حرية الحركة والتجمع، ونشرت نحو ألفي جندي وشرطي لفرض مستلزمات الدخول، والتي تشمل حاليا نتائج فحص كورونا، إذ أن معدلات الاصابة داخل غواتيمالا تعد من بين الأوطأ في المنطقة، لكن ظهرت أكثر من 148 ألف حالة مؤكدة من 17 مليون نسمة هم سكان البلاد، وهي أكثر من الهندوراس، وأكثر من المكسيك باحتساب أعداد السكان.
فيروس نافع!
وتحرص غواتيمالا والمكسيك على استمرار التعزيزات العسكرية كجزء ضروري من جهود تأمين الصحة العامة، وهو أمر لا تتفق معه روزاريو مارتينيز، الباحثة الغواتيمالية لدى معهد الدراسات الاجتماعية لأميركا اللاتينية، والمتخصصة بدراسة تغيّر نماذج الهجرة من منطقة أميركا الوسطى خلال السنين الأخيرة، وبضمنها ما أعقب بداية الجائحة بشهر آذار من العام الماضي: “انه عذر مثالي، اذ يتم توظيف الجائحة كحجة لايقاف تقدم القافلة
 المهاجرة”.
وفي إحدى نقاط التفتيش شرقي غواتيمالا، يتم توقيف العجلات للتأكد من الهويات التعريفية بحثا عن هندوراسيين يسافرون بمفردهم، أو انفصلوا عن القافلة، وكانت العديد من الحافلات الصغيرة والكبيرة تعج بالركاب، غالبيتهم لا يرتدون الكمامات، في خرق لاجراءات الوقاية من انتشار الجائحة وأبلغ موظفو الصحة المهاجرين الهندوراسيين القادمين بضرورة جلب نتائج فحص سلبية لأجل الدخول الى البلاد، وتم احتجاز من لم يجلب ذلك الفحص.
وبعد تجميعهم من مناطق مختلفة من غواتيمالا في مكان واحد قريب من تلك النقطة، أتت حافلات الشرطة لاعادتهم الى الحدود الهندوراسية. 
اذ وصل عددهم الى نحو 600 شخص، بيد أن العديد منهم أكدوا نيّتهم تدبير ما يثبت خلوّهم من الإصابة بالفيروس والعودة مباشرة، لعلمهم أن بايدن سيستلم السلطة وسيخفف قيود الهجرة وطلب اللجوء المشددة خلال السنين الأخيرة؛ ويقول أحدهم: “يحتمل أن تكون فرصة جيدة
 لنا”.
وكان بايدن قد أعلن عن نيّته إرسال مشروع قانون إلى الكونغرس يفسح الطريق أمام الحصول على المواطنة الاميركية للمهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، إلا إن الخطط بالنسبة للمهاجرين مستقبلا لم تتضح بعد، وبضمنهم اتفاقيات التعاون لطالبي اللجوء التي تعيد أبناء أميركا الوسطى الى
 ديارهم.