ذوالفقار يوسف
انتزع محمود احد الجاكيتات الجلدية النسائية من بين اكوام الملابس المكدسة، اذ كان هناك جبل منها وقد وضع على مناضد حديدية، صنعت لتحتمل وزن هذه الجبال من الملابس، وبعد أن ينبثق اللون المطلوب تحت انظاره، يغط يديه كلها نحو القطعة تلك، فقد وعد ابنته ذات الستة عشر ربيعاً، بانه سيشتري لها جاكيتاً ذا ماركة عالمية، و ستتباهى امام صديقاتها في المدرسة عندما ترتديه.
ويحتفل البعض من المواطنين بوصول اكداس (البالة) ليشدوا الرحال نحو اماكن بيعها في موسم الصيف والشتاء، فهي فرصة كبيرة لهم لشراء ملابس جيدة وبالوقت نفسه ذات سعر رخيص جداً، فضلا عن عدم تأثر سوقها بالأوضاع، امنية كانت ام اقتصادية او صحية.
ام الفقير
يرتجف محمود العزاوي (44 عاما) كلما زار احدى الاسواق الشعبية، فحسب قوله انه لا يستطيع مقاومة الملابس المنتشرة على جانبي الشارع الذي يقع داخل السوق، لقد استطاع أن يجد المنفذ المناسب الذي يغنيه عن شراء الملابس ذات الجودة السيئة والغالية السعر، مؤكداً "ان (البالة) تكون ذات ماركات عالمية ومصنوعة من اجود الاقمشة والجلود، وبهذا تقاوم حرارة الصيف في العراق، وتأخذ مكانها لتكون درعا دافئا امام برد شتائه".
ويردف "لم اكن اعلم بهذا العالم وما يحتويه من خيارات، كنت اشتري الملابس لي ولاسرتي من المحال، وكنت اعاني من تمزقها بسبب غسلها المستمر الذي يفضح سوء نوعية قماشها، اضافة الى تلاشي لونها تدريجياً عندما تتعرض لاشعة الشمس".
"اثنان بألف"
ومثلما تتلف ملابس محمود سيئة الجودة بسبب اشعة الشمس، تغير لون شعر منصور هادي (46 عاما) بسبب تواجده في هذه الاسواق الشعبية والتي يتواجد فيها باعة ملابس (البالة)، فهو قد اخذ بسريرة والده، وكما يقول: "لقد اخذني والدي في احدى المرات لمحل لبيع الملابس، وقبل أن ندخل المحل طلب مني حفظ اسعار الملابس المعروضة والوانها واشكالها، ولم افهم من البداية غايته من هذا الطلب، ولكن بعد أن خرجنا من المحل وتوجهنا نحو منطقة الباب الشرقي وبالتحديد السوق العربي، عرفت ما كان يقصده حينها، فالملابس تختلف هنا فقط بطريقة العرض العشوائية، اما ما ادهشني وجذب انتباهي هو وجود ملابس تشابه ما كان معروضاً في المحل، وبعد ان كان هناك سعر القطعة الواحدة لا يقل عن 20 الف دينار، يصيح بائع هذه (البالة) "تعال يولد، قلب واخذ، اثنين بالف"، التفت الى والدي وقلت "كم كنت غبياً في السابق".
تأنق بالمجان
ومثل دهشة منصور عند رؤيته لهذا العالم، كانت دهشة محمد عبد الكريم (29 عاماً) متأخرة، اذ انه اشترى ملابسه من المحال التجارية القريبة من منطقة سكناه، وكان بذلك يتحضر لارتياد الجامعة، وكان لابد أن يشتري الافضل، الا ان ما سبب حزنه وندمه، هو رؤيته لملابس ذات نوعية جيدة تحمل العديد من الماركات منها (بولو، ونايك، واديداس)، عبد الكريم يقول "إنني اشاهد هذه الماركات معروضة فقط في المحال في منطقة الكرادة، ولا استطيع شراءها، بسبب سعرها الغالي الذي قد يصل الى المئة دولار اميركي للقطع الصغيرة والبسيطة، وها انا اليوم محاط بمئات الماركات وبمبالغ بسيطة"، ندم محمد على استعجاله لشراء الملابس بالرغم من تواجد هذه الاسواق، فحسب قوله "ان الملابس نفسها، ولكن الأسعار تختلف بسبب الاماكن ليس الا، فماذا اصنع بملابس منطقة المنصور غالية الثمن، اذا كانت نفسها تتواجد في مجمعات الباب الشرقي وباسعار قريبة للمجانية".
بديل ناجح
مراعاة للوضع الاقتصادي للبلد بسبب جائحة كورونا، فضلا عن ان هناك فئات من المواطنين من ذوي الدخل المحدود، الذين لا يستطيعون صرف مبالغ قوتهم لشراء الملابس، خلقت هذه الاسواق بديلاً ناجحاً ليكونوا قادرين على اكساء انفسهم باجود الملابس وباسعار رخيصة امام ما يعرض من ملابس مستوردة ذات نوعية رديئة واسعار غالية تتصاعد مع الغلاء وصعود سعر صرف الدولار الاميركي مقابل الدينار العراقي.
"اغسل اكوي والبس"
يوضح لنا الحاج ابو مهدي (57 عاماً) "ان هذه الاسواق اصبحت المتنفس الوحيد في جانبي العرض والطلب للمواطن العراقي البسيط لشراء ما يرتديه، فمنذ بداية الازمة الاقتصادية زادت الاسعار لكل المنتوجات في البلد، الا اسواق (البالة)، ولن ابالغ اذا قلت بانها قد زادت رخصاً، المضحك في الامر انك ما أن تشتري الملابس من هذه الاسواق، وبعد غسلها وكيها وارتدائها والخروج بها امام اصدقائك واقربائك، سيتم سؤالك حتماً بكم اشتريتها؟، وذلك لجودة الاقمشة والجلود التي صنعت منها، اضافة الى الماركات التي لا تخفى على الناظر، في بعض الاحيان امازح احد اقربائي عند سؤاله عن سعرها، واقول له لقد اشتريتها بخمسين دولاراً اميركياً، واحيانا ارفع السعر مع ارتفاع جودة الملابس، فيجيبني (تستاهل)، وفي بعض الاحيان تفضحني عيناي وابتسامتي، واجيبه ( فقط بخمسة آلاف دينار).