بعض انتقالات الرئاسة الأميركية الأكثر خطورة

بانوراما 2021/01/31
...

إيمي مكييفر
ترجمة: شيماء ميران
لقد كانت الأيام الاربعة الاخيرة للرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب في المنصب صاخبة تاريخية. فبعد عدة اشهر من محاولته لإلغاء الانتخابات بإدعاءات لا صحة لها عن تزوير الناخبين، اقتحمت مجموعة مسلحة من مؤيديه مبنى الكونغرس الاميركي لتعطيل عملية عدّ الاصوات الانتخابية، ليوجه مجلس النواب الاميركي مؤخرا وللمرة الثانية، وقبل اسبوع واحد من انتهاء ولايته، الاتهام لترامب بالتحريض على ذلك العصيان.
ولطالما كان يُطلق على الرؤساء الاميركان المنتهية ولايتهم تسمية (البطة العرجاء)، وهو تعليق على كيفية عودتهم ضعفاء مع تناقص ايامهم في المنصب. وكان من المتوقع ان يمضي هؤلاء الرؤساء تلك الايام بهدوء وهم يقومون بالاعمال الإدارية ويساعدون في الانتقال المنتظم، والشعب يتطلع إلى رئيسهم المنتخب الجديد في وضع اجندة سياسية.
وشهدت البلاد في السابق فترات انتهاء ولاية (بطة عرجاء) عنيفة، فمنذ ايامها الاولى، عمل العديد من الرؤساء حتى اللحظة الاخيرة للدفع بأجنداتهم، بينما اخرون لم يفعلوا شيئا، حين كان الاقتصاد متدهورا والبلاد مفككة.
وبالنسبة لمعظم تاريخ البلاد، كان لديهم الوقت الكافي للقيام بذلك، لأن مراسيم التنصيب تقام في آذار، ولم يتم نقلها إلى كانون الثاني حتى الثلاثينيات من القرن الماضي. وهنا بعض الفترات الرئاسية المضطربة في التاريخ الاميركي.
 
قضاة منتصف الليل
في كانون الاول من العام 1800، كان الرئيس الفيدرالي جون آدمز قد خسر للتو انتخابه للمرة الثانية، حين استقال أوليفر إلسورث رئيس المحكمة العليا، وتصرف آدمز بعد ثلاثة اشهر فقط من نهاية ولايته.
وكتب المؤرخ (ريتشارد صامويلسون): “لم يظن آدمز نفسه بطة عرجاء، ولم ير أي سبب يدفعه للانقطاع عن ممارسة سلطات منصبه، لمجرد انه قريبا لن يحتفظ بها اكثر”.
تحرك آدمز وزملاؤه في الكونغرس الفيدرالي المضطرب بسرعة لاستبدال رئيس المحكمة وإعادة بنية الهيئة القضائية بما يتناسب مع رؤيتهم لتوسيع السلطات الفيدرالية على الولايات، وبعد تثبيت وزير الخارجية جون مارشال في المحكمة العليا، قام الكونغرس بإصدار قانون القضاء للعام 1801 الذي ينص على تقليل عدد المقاعد في المحكمة العليا من ستة إلى خمسة مقاعد، واستحداث 16 هيئة قضائية فيدرالية جديدة، وفي الرابع والعشرين من شباط قدّم آدمز مرشحيه لشغل هذه المناصب، وفي الثالث من آذار وهو اخر يوم من ولايته وقّع على بعض اللجان القضائية الاخرى، وكان هذا سبب انتهاء المحكمة العليا بتسعة قضاة. وذلك اثار ذلك غضب (الديموقراطيين الجمهوريين)، وهو حزب سياسي قديم قاده الرئيس المنتخب توماس جفرسون، ورؤيتهم لهذه القوانين كمحاولة حزبية لملء المحكمة وتخريب اجندتهم، فقام صُنّاع القرار بإلغاء القانون قبل ان يدخل حيز التنفيذ.
وخلال السنوات التي تلت ذلك اصبحت تعيينات آدمز في اللحظة الاخيرة تُعرف بقضاة منتصف الليل، والنموذج المبكر لتخريب “البطة العرجاء”.
 
إنفصال الولايات المتحدة
كانت الفترة المضطربة الاكثر اهمية في التاريخ الاميركي هي ولاية الرئيس جيمس بيوكانان، الذي راقب تفكك البلاد وسط التوترات بين الشمال والجنوب بشأن العبودية، فخلال الأشهر الاخيرة من رئاسته، ورداً على انتخاب إبراهام لنكولن الجمهوري المناهض للعبودية في تشرين الثاني من العام 1860، بدأت الولايات الجنوبية النقاش حول مغادرة الاتحاد.
ورغم ان بيوكانان تحدث ضد الانفصال عبر خطابه للشعب في الثالث من كانون الاول، لكنه أكد أنه أمر “يفوق سلطة اي رئيس”، وألقى اللوم على الولايات الشمالية لتحريضهم ضد العبودية في الجنوب، وبعد أقل من ثلاثة اسابيع، اصبحت ساوث كارولينا اول ولاية تنفصل عن الاتحاد.
ولم يتخذ بيوكانان موقفا طويلا حين طلب سكان ساوث كارولينا إنسحاب القوات الفيدرالية من فورت سومتر في تشارلستون هاربر، فأرسل مطلع كانون الثاني سفينة محملة بالتعزيزات إلى قاعدة كارولينا، وعندما فتح الجنوبيون النار على السفينة طلب من الكونغرس الرد، لكن الحكومة، وبفرعيها، لم تتخذ أي اجراء.
ثم انفصلت في الايام التي تلت ذلك ولايات من الاتحاد. ومع تنصيب لينكولن في الرابع من آذار عام 1861 كان عدد الولايات المنفصلة سبع ولايات، تلتها لاحقا أربع أخريات، لتشكل الولايات الكونفيدرالية الاميركية وأشعلوا الحرب الاهلية.
 
بنجامين هاريسون والرعب
في اواخر القرن التاسع عشر، رفض رئيس اخر منتهية ولايته التصرف اثناء أزمة الانتقال المضطرب، وخسر الجمهوري بنجامين هاريسون في تشرين الثاني من العام 1892 إعادة انتخابه امام الديموقراطي جروفر كليفلاند، الذي اُطيح به من الرئاسة قبلها بأربع سنوات.
كان التنافس بين الاثنين عنيفا جدا خلال فترة الانتقال، لدرجة قالت عنه المؤرخة (هيذر كوكس ريتشاردسون): “تعمّدت إدارة هاريسون تدمير البلاد”.
كان الحزبان السياسيان يتقاتلان على الاقتصاد لعدة سنوات، وفضّل الجمهوريون التعرفة الجمركية التي تحمي التجارة الاميركية من المنافسة الخارجية، وشرّعوا قوانين مثل قانون شراء الفضة شيرمان لعام 1890، والذي تطلب من الخزانة الاميركية رفع اسعار الفضة بشراء اربعة ملايين ونصف مليون أونصة شهريا، ما أدى الى انخفاض عائدات الخزينة من الذهب، إلى جانب عوامل اخرى لتأجيج الرعب لعام 1893.
لكن حتى مع بداية تغيّر الاقتصاد في ظل إدارة هاريسون، تبيّن كوكس ريتشاردسون ان الجمهوريين امضوا فترة انتهاء الولاية في تحذير الاميركان من ان إدارة الديمقراطيين القادمة ستعمل على إفلاس البلاد، وحثتهم على سحب اموالهم من سوق الاوراق المالية. 
وبحلول شباط من العام 1893، وقبل عشرة ايام فقط من تنصيب كليفلاند بدأت سوق الاسهم بالانهيار، وبدلا من التصرف، لم يفعل هاريسون اي شيء وترك كليفلاند يتلقى اللوم على الركود الاقتصادي الذي تلا 
ذلك.
 
العداوات بين هوفر روزفلت
في العام 1932، انتشرت آثار الكساد الكبير في جميع انحاء البلاد، حين واجه شاغل المنصب الجمهوري هربرت هوفر الديمقراطي فرانكلين روزفلت في الانتخابات الرئاسية، وقام روزفلت بحملته وفاز بإتفاق جديد مع الشعب الاميركي “على تذليل معاناتهم من خلال توسيع دور الحكومة الفيدرالية وتوزيع الثروة والمنتجات بمزيد من الانصاف”.
عارض هوفر سياسات الاتفاق الجديد باعتباره تهديدا للحرية الفردية، وعمل على تقويضها قبل ان يتمكن روزفلت من شغل المنصب، وكما ذكر المؤرخ إريك راوتشواي ان هوفر امضى الاشهر التي تلت الانتخابات محاولا إقناع روزفلت بالتنازل عن الاتفاق الجديد ومسألة الوعود العامة لتحقيق التوازن في الميزانية، حتى انه طلب من الرئيس المنتخب المشاركة في استحداث لجنة اقتصادية، وهي الخطوة التي ربما أتاحت لهوفر تطبيق اجندته قبل بدء ولاية روزفلت، لكن الاخير 
رفض. 
لم يتفق هوفر وروزفلت شخصيا، وعقدا اجتماعات مثيرة للجدل وصولا الى يوم التنصيب في الرابع من آذار عام 1933.
وسيكون روزفلت آخر رئيس يضطر للانتظار حتى آذار لتولي المنصب، ففي وقت مبكر من ذلك العام، اُقرَّ بالفعل ان فترة انتهاء الولاية كانت طويلة جدا، فصادقت الدولة على التعديل العشرين الذي دفع بتاريخ التنصيب إلى العشرين من كانون الثاني، ولم تؤخر أميركا الانتخابات الرئاسية مطلقا، وهذا سبب صعوبتها.
 
كارتر والرهائن الأميركان
حتى مع اقصر فترات الانتقال، شهدت الايام الاخيرة من الولايات الرئاسية الحديثة حصتها من الاضطراب، ففي تشرين الثاني من العام 1980، خسر جيمي كارتر الانتخابات لصالح رونالد ريغان، وارتبطت خسارته بفشله في إنهاء ازمة الرهائن الأميركان، ففي أواخر العام 1979، اقتحمت مجموعة متشددة السفارة الاميركية في طهران، واحتجزوا 66 اميركيا كرهائن. وفشلت محاولات كارتر للتفاوض، وكذلك مهمة الإنقاذ العسكرية.
وبعد تنازله لصالح ريغان، واصل كارتر المفاوضات لإنهاء الازمة.
كما ذكرت جمعية البيت الأبيض التاريخية انه: “في هذه الاسابيع الاخيرة، كانت عودة الرهائن هاجسا بالنسبة له”.
وفي الثامن عشر من كانون الثاني من العام 1981، اعلنت ايران موافقتها على المقترح المقدم من إدارة كارتر بشأن إطلاق سراح الرهائن، لكن العملية تعرقلت بسبب عوائق مالية، ولم تتم حتى الساعة الثانية عشرة والنصف مساء في العشرين من كانون الثاني، أي بعد نصف ساعة فقط من تأدية ريغان اليمين الدستوري لتولي 
المنصب.
 
* عن ناشينال جيوغرافيك