ســـعد حســن
تعد كنيسة أم الاحزان في محافظة ميسان من أقدم الكنائس المسيحية في ميسان والمنطقة الجنوبية، فقد شيدت العام 1880 في مركز مدينة العمارة، اضافة الى اهميتها التاريخية والدينية، فهي رمز للتعايش المجتمعي في المحافظة، اضافة الى معبد التوراة اليهودي، والسوق الكبيرة المسقوفة من أهم المعالم التاريخية والمعمارية في محافظة ميسان.
وشيدت الكنيسة على مساحة 1600 متر في محلة التوراة في مركز محافظة ميسان، وفيها العديد من اللوحات الاثرية النفيسة والنادرة، وتضم مكتبة فيها أندر الكتب وأقدمها، على الرغم من تعرض بعضها للتلف بحكم تقادم الزمن عليها وسوء الخزن، وكذلك تحتوي الكنيسة على أقدم ناقوس حديدي في الشرق الاوسط، وتقصدها جميع الطوائف في محافظة ميسان، اذ يقصدونها للقاءاتهم الاجتماعية، وايضا لقضاء حوائجهم ويقدمون اليها النذور، فضلا عن وجود نصب شاخص وسط باحة الكنيسة للسيدة مريم العذراء، تمّ نحته في العاصمة الايطالية روما، وبطول متر ونصف المتر ينتصب ساحة الكنيسة.
روضة
وتمّ في العام 2011 من قبل الادارة المحلية في محافظة ميسان، انشاء قاعة للمناسبات الدينية، وملحق فندقة للضيوف، وروضة صغيرة في الطابق الثاني من البناية نفسها، وتم ترميم الكنيسة واعادة تاهيلها من جديد، بعد أن تقادم الزمن على بناياتها.
وأكد الأب الأسقف عزيز البنا على التعايش السلمي بين ابناء ميسان الخيريين، ويقول: "صلاتنا للرب بالصلاة والدعاء لأهلنا في العراق والعالم أجمع، ان يزيل الله هذا الوباء، ويحل الامن والسلام والاستقرار في ربوع العراق، وان تعود الأسر العراقية المهجرة الى موطنها، والدعاء لأبناء الشعب العراقي بالازدهار".
مبينا :" أن الادارة المحلية في ميسان خير راعية لابنائها، وذلك من خلال اهتمامها بهم لبناء الصروح والبنايات والقاعات ودار للاطفال، اضافة الى نصب تمثال السيدة مريم العذراء وسط فناء الكنيسة، واعادة إعمارها وتأهيلها، لكي تكون معلما تاريخيا واثريا وحضاريا لأبناء العراق".
150 أسرة
من جانبه قال راعي كنيسة أم الاحزان في ميسان جلال دانيال - في هذه السنة 2021 المباركة ندعو الله العلي القدير أن يعم الامن والسلام في ربوع عراقنا العظيم والعالم اجمع، كونها سنة خير وعطاء، ونحن ومتفائلون بقدومها بعد أن مرت علينا سنة 2020 التي كانت دمارا شاملا للعراقيين والعالم أجمع بتفشي جائحة كورونا، والتي ادت الى وفاة أهلنا واصدقائنا ومحبينا في المحافظة، وبرغم اعياد الميلاد الا نحن حزينون عليهم لفراقنا لهم، متمنين دوام الموفقية في هذا العام الجديد، وكان يسكن محافظة ميسان اكثر من ألفي نسمة من اصل (150) أسرة، بقيت منها حتى الآن ثماني عشرة أسرة، اغلبها غادرت العراق بسبب احداث 2003".
روح التسامح
ويؤكد أ. د. محمد كريم من جامعة ميسان، أهمية التعددية الدينية والتعايش السلمي، ويقول: "في محافظة ميسان تعد التعددية الدينية من المقومات الثقافية، التي تجعل من محافظة ميسان بأقضيتها ونواحيها مركز جذب للأخوة والتآخي والسلام، كون من يعيش فيها اعتاد هذا التنوع، ونمى في داخل أبناء المحافظة عامل نفسي ايجابي، تجاه الآخر المغاير والمختلف دينيا، لكنه الشريك بالوطن والإنسانية، وتعد المراكز الدينية من مساجد وحسينيات وكنائس ومعابد لها مدلولاتها في مجال التعايش السلمي، من خلال التزاور والمشاركة في أغلب الطقوس والعبادات الدينية التي يقوم بها أبناء ميسان، بوصفها دلالة عن روح التسامح في هذه المدينة، ومن أبرز المعالم التي تشارك بها ابناء المحافظة في دعم هذه الروح التسامحية، هي كنيسة أم الاحزان التي تعد مَعَلما من معالم الالتقاء بين ابناء المحافظة.
ويقول مدير الوقف السني في ميسان الشيخ علي النجدي لـ(الصباح) إن اهالي ميسان مواطنون محافظون على قيمهم الاجتماعية، منذ زمن يصل الى مئة وعشرين سنة، فقد كانوا مجتمعين في هذه الارض المعطاء المزدهرة بأرضها الطيبة اقتصاديا، فتجمعت الناس من الشرق والغرب لتعيش بامان وبسلام ورفاهية طيلة تلك العهود الماضية بمختلف دياناتهم ومذاهبهم ومكوناتهم الاجتماعية، لكون هذه المنطقة من المناطق الحضارية والأثرية في تاريخ العراق القديم، والتي اشتهرت بالزراعة وبالحرف اليدوية، وبعدها ان تصاهرت هذه الأقوام بمختلف أديانها في بودقة هذه المحافظة من مختلف الأديان من المسيح واليهود والمسلمين، والدليل على ذلك وجود الاثار القديمة ومنذ عام 1880 في مناطق الصابونية، كاثار للطوائف المسيحية واليهودية في مناطق التوراة والمحمودية والسراي والسرية في مركز مدينة العمارة، وهذه البنايات والشناشيل التي كانت تسكنها طوائف مختلفة من مختلف مناطق العراق، وتدل على قدم حضارة ميسان التي تمتد الى خمسة آلاف عام قبل الميلاد، ولكن بعد العام 2003 تعرض العراق الى هجمة شرسة واحتلال، ولكن محافظة ميسان بقيت محافظة على قيمها وتاريخها الحضاري، وبقيت على اصالتها وثوابتها الاجتماعية، وحافظت على الوشائج والمصاهرة والاخوة بين الطوائف، ومنهم اخوتنا المسيحيون الذي يعيشون في محافظة ميسان واثارهم تدل على وجودهم التاريخي، ومن هذه الآثار التاريخية كنيسة أم الاحزان، ومن خلال تواصلنا معهم في المناسبات الدينية، وغيرها من خلال الوشائج الاجتماعية التي تربطنا بهم كأخوة عراقيين، وكذلك اخواننا من الطائفة الصابئة المندائيين في مناسباتهم العامة والخاصة ولم تحصل اية مشكلات".
تجاور
من جانبه اشار الدكتور لطفي جميل العبيدي "الى التعايش السلمي في سبعينيات القرن الماضي، ويقول فقد كان لي اصدقاء أعزاء جدا من الديانتين المسيحية والصابئة المندائية، وانا افتقده اليوم وبمرارة، في مدينة العمارة تلك المدينة الطافية على مبادى التعايش السلمي بين الاديان والمكونات، كانت ايضا مدينة الحب والتسامح، ومما يؤكد ذلك هنالك في محلة (التوراة) كان هنالك معبد للطائفة الموسوية اليهودية، وكنيسة ام الاحزان للطائفة المسيحية والجامع الكبير بمنارته الشاخصة، معلم تاريخي للمدينة، بمعنى آخر هو ان تلك المنطقة الصغيرة، وأعني بها منطقة التوراة كانت ولا تزال مركز مدينة العمارة، وهذا المركز المطرز بتلك المعابد الدينة الاثرية لمختلف طواف واثنيات المدينة، فضلا عن التجاور بين سكانه الذين يتبعون مختلف الديانات، ويعيشون بامان وسلام، وفي حينها شكلوا المدينة فسيفساء المدينة الجميلة المعروفة بطيبة اهلها الخيرين. وفي حينها لم تعرف المدينة ابدا الفواصل الدينية والمذهبية بين الناس ايضا، ولكن للأسف تكرست بعد الاحتلال الاميركي للعراق العام 2003، وكان ذلك بقصد مع سبق الاصرار".