أكارا.. من السجن الى الشاشة الفضيّة

بانوراما 2021/02/03
...

سونيا ساركار
ترجمة: بهاء سلمان
عندما كان عمره 16 سنة دخل الى عالم الجريمة، وببلوغه سن السابعة عشرة قاد عصابة من المجرمين، حتى اعتقل وهو يتجاوز سن العشرين بتهم الاختطاف والابتزاز والقتل. بعد تسع سنوات، خرج الرجل الملتحي الداكن البشرة والقوي البنية من أحد سجون مدينة كلكتا الواقعة شرقي الهند، ليتحول الى ممثل سينمائي. وهو حاليا يطرح على الكثيرين ممن كانوا مثله فرصة لحياة جديدة مشرقة، إنه “نيغل اكارا”، الذي أعاد ولادة شخصيته في منتصف حياته تماما، ويعلق: «لكن الشعور بكوني سجينا سابقا يبقى يدور دوما في مخيّلتي». 
يعمل الممثل أيضا متعهد أعمال ومعالجا مسرحيا (توظيف أساليب المسرح لتسهيل النمو الشخصي وتعزيز الصحة العقلية – المترجم)، غير أن شبح ماضيه ما زال يذكره. ففي الفلم المنتج حديثا “غوترو”، يلعب أكارا دور طارق علي، خادم مسلم أمضى تسع سنوات سجينا. ومثل شخصيته في الفلم، الذي منعه ماضيه المؤلم من فرص العمل، واجه أكارا معوّقات عديدة بعد مغادرته السجن، فمن يعرف ماضيه لا يعرض عليه العمل.
 
الكرامة أولا
ذات يوم، وبعد مغادرته لموعد عمل، لاحظ رجلا يكنس الشارع وقرر الشروع بعمل مشابه، ليفتتح شركة لتنظيف المنازل. حاليا، تشغل شركته لخدمات التدبير المنزلي والضيافة نحو 500 فرد، ثمانون منهم كانوا، على مدى سنوات، نزلاء سجون سابقين. “ليس من السهل العودة الى حياة كريمة بعد قضاء فترة في السجن، وأنا أريد إعادة تأهيل هؤلاء الناس،” يقول أكارا، محركا أصابعه على شعره الكثيف ليشده من
 الخلف. 
عندما كان طفلا، انتقل أكارا من مسقط رأسه في ولاية كيرالا الجنوبية الى كلكتا. ومن منزله السابق (حاليا مقر شركته) يستذكر مغادرته لهذه المنطقة عندما كان عمره 17 سنة، حينما قدم رجال الشرطة بحثا عنه. “في ذلك العمر، لم أكن مطلقا أفكر بما هو صح وما هو خطأ”. خلال العام 2000، ومع قرب حصوله على شهادة جامعية بالمحاسبة من كلية سانت خافيير الشهيرة، ألقي القبض عليه. قطع سكان الحي علاقتهم بوالدته، وبعدها بشقيقه الأصغر الذي كان يعمل مديرا لشركة ملابس، وحاليا مستثمر مصرفي في مومباي. أما اليوم، فيقف الناس ضمن طابور للقاء والدته: “لقد أعدت لها كرامتها التي سلبتها أنا منها مسبقا”، بحسب أكارا نفسه.
خلال فترة السجن، كان مشاكسا ودخل في شجارات عنيفة مع النزلاء والحراس، ما يدفعهم لوضعه في السجن الانفرادي. وبعد محاولة هروب فاشلة سنة 2004 حدث تصحيح لمسار حياته، فعلى مدى السنوات الثلاث التالية، بدأ أكارا الملحد، رغم نشأته كاثوليكيا، بقراءة الانجيل والبهاغافاد غيتا، الكتاب الهندوسي المقدس، والقرآن؛ كما تعلّم أيضا التأمل وأساليب المعالجة. وتمكن سنة 2006 بنجاح من عبور امتحان للحصول على شهادة جامعية، وأكمل فصلا دراسيا خاصا بحقوق الإنسان من خلال
 المراسلة.
 
تغيير جذري
بحلول العام 2007، زارت الراقصة الهندية الشهيرة ألاناندا روي السجن للعمل بميدان العلاج الثقافي، وتم اختيار أكارا للعب دور مغني شعبي باللغة البنغالية لمجموعة قطع موسيقية لأنواع رقص مختلفة عبر الهند، حملت عنوان «الاخوّة ما بعد الحدود». في البداية، رفض أكارا المشاركة، لكن لاحقا، تم جلبه الى العمل، ويعود جزء من ذلك إلى تذكير ألاناندا بوالدته. 
وعندما تم أخذه مع نزلاء آخرين خارج السجن لتنفيذ البروفات الأخيرة داخل مسرح رابندرا سادان المشهور في كلكتا، وقف أمام القاعة الخالية وسأل نفسه: «هل أستحق هذا الحال؟»، ويضيف مستذكرا: «لقد قررت حينها أنني سأتطلع فقط الى الأمام انطلاقا من ذلك
 المكان».
بعد أشهر، لعب الدور الرئيس في فيلم استعراضي لألاناندا حمل عنوان «فالميكي براتيبها». تقول الراقصة مستذكرة،: ان أكارا تغيّر بشكل كبير منذ ذلك الوقت: «أفصح عن مزايا قيادية هائلة، كما انقلبت لغته الجسدية، ولم يكن هناك غضب. 
كما تعززت لديه حالة احترام الذات». وجاءت سنة 2009، لتبرئ محكمة المدينة أكارا لعدم كفاية الأدلة، وتسقط عنه أحكام الإدانة، ليشرع بالتجوال مع ألاناندا لإجراء حوارات تحفيزية حول إعادة تأهيل السجناء السابقين، بيد أن التفكير في ماضيه فرض على مشاعره وطأة ثقيلة. وللتعويض عن ذلك، ركز على تكوين شركته. وفي العام 2012، ورغم توسع أعماله، تلقى عرضا للتمثيل في فيلم اسمه «موكتودهارا»، يستند الى قصة حياته. «كلما أقف أمام الكاميرا، كنت أدرك أنني أمثل الكثير من السجناء السابقين، وأردت تغيير غدهم نحو الأفضل».
 
استشعار البسطاء
لدى أكارا مبادرة طيبة نحو المستضعفين، فقد افتتح سنة 2019 ورشة كولاهول المسرحية  لتوفير فرص عمل للمتحوّلين جنسيا، ولمن استغلوا بالدعارة والمدمنين على المخدرات في مسرحيات موسيقية. يقول مستدركا: «خلال بروفات المسرحيات، لم يستطع الكثيرون اخفاء مشاعرهم، فالأمر لم يكن سهلا مطلقا عليهم، تماما مثلما لم يكن سهلا علي مسبقا.» لكنه الآن يفكر مثل أي ممثل، ويقدم ما بوسعه أمام الكاميرا، وكأنه لا توجد لديه فرصة
 أخرى.
ظهر أكارا في نحو عشرين فيلما بلغات هندية متعددة، وبعد فيلم غوترو، انهالت عليه العروض، إذ ينظر إليه بوصفه النجم الصاعد لصناعة الأفلام في منطقة البنغال، والمسماة توليوود. إلا إن الناقد السينمائي المعروف شوما تشاتيرجي يعتقد أنه لم ينضج بما فيه الكفاية لتأدية أدوار مميّزة. «لقد ربط صانعو الأفلام أكارا ببنيته الجسدية، وبماضيه المؤثر أيضا، فهو جيد ضمن أدوار لا تحتاج الى تعبيرات الوجه، وادوار لا تتطلب كلاما كثيرا. حاليا، يتم إضفاء صورة نمطية عليه، وهو بحاجة الى التركيز على مهاراته التمثيلية لكي يكون ممثلا». 
ويقول أكارا : ان المزيد من الفرص سـتأتي، لكنه لن يؤدي «أفلاما سيئة، فالرجل الذي يؤمن بالتعلّم من الخصوم لا يؤمن حقا بالاستسلام.. وأفضل هدية حصلت عليها من السجن هي
 الصبر».