احمد الفرطوسي
بالرغم من كل المتغيرات الاجتماعية ولغة العصر الحديثة، التي طرأت على مجتمعنا في الوقت الحاضر، إلا أن عباءة المرأة العراقية ما زالت تمثل موروثاً دينياً واجتماعياً محافظاً على أصالته المعهودة، منذ ظهوره وحتى هذه اللحظة، حيث كانت وما زالت العباءة النسائية العراقية، تمثل رمزاً ودليلا للمرأة العراقية، لما تتمتع به من جمالية خاصة ونكهة مميزة تعبر عن موروث شعبي اصيل، إذ تتصف بقالب معين جعلها متفردة عن العباءة في دول المنطقة العربية والإسلامية.
فمثلاً العباءة المصرية هي عموماً قصيرة وتوضع على الأكتاف، اما الخليجية تسمى (الاسلامية)، وهي تتألف من قطعة واحدة وتلبس فوق الملابس، العباءة الإيرانية "الشادور" وهي عبارة عن قطعة عريضة واحدة، اما العباءة العراقية، فتكون عريضة وذات تصميم متوازن وفيها كم طويل من القماش، كما يجب أن يكون طولها معادل لطول المرأة من رأسها حتى اخمس قدميها، وللتعرف على مزايا العباءة العراقية، لا بدّ لنا من اللقاء بمن أضفت أناملهن التميز والخصوصية على هذا الملبوس الجميل وهن خياطات العباءة العراقية.
شد الورد وسن الذيب
السيدة فضيلة باسم تعمل خياطة عباءة نسائية تمتهن الخياطة منذ زمن بعيد، قالت، لـ "الصباح": "لقد امتهنت خياطة العباءة النسائية التي ورثتها عن والدتي، حيث ان هذا العمل يحتاج الى خبرة ومثابرة من اجل تحسين الأداء، وهو عمل يدوي بحت ليس للماكنة فيه أي دور او تدخل" واضافت، ان هناك أنواعا من الخياطة من حيث الشكل والنقشات الصغيرة على جانبي العباءة التي تتفن بها الخياطة مثل "شد الورد " و "سن الذيب" و "حب الفلفل" والتطريز العادي الذي يقسم الى نوعين، تطريز متفارق وآخر متقارب، ويكون النوع الأول اقل جهداً وأرخص ثمناً، لأنه لايحتاج الى كمية من الخيوط التي يحتاجها المتقارب، بالنسبة لنوعية الخيوط، فهي خيوط البريسم وفي السابق كنا نجلب هذه الخيوط من منطقتين في العراق هما النجف والكاظمية، اما الآن فهي متوفرة في اغلب المحال في المدينة.
عباءة العروس
وترى الأنسة بتول وهي من الخياطات الشابات التي تزاول خياطة العباءة منذ سنتين "ان مزاولتي لهذه المهنة جاءت من رغبتي في ايجاد عمل منتج واشغال وقت الفراغ الذي عانيته بعد تخرجي من الجامعة ولم أجد فرصة للتعين او الوظيفة" واضافت "باعتقادي ان خياطة العباءة تحتاج الى مهارة وقليل من الخبرة في معرفة انواع الاقمشة والخيوط المناسبة، كما يحدد ذوق النسوة الزبونات شكل الخياط وكلفته فمنهن من تفضل العباءة المشغولة والمطرزة ذات المظهر المميز، حيث تصل كلفة خياطتها الى 30 الف دينار، اما ذوات الدخل المحدود تطلب الخياطة العادية ويترواح سعر خياطها من (10- 15)الف دينار". وتابعت "هذا السعر فيه غلاء بعض الشيء نتيجة لغلاء الخيوط التي تستعمل في خياطة العباءة بصورة عامة، والطريف في عملنا اننا نتسابق في الحصول على خياطة عباءة العروس، اذ تكون بمثابة فرصة ثمينة للخياطات ونجدها مستعدة لدفع أي سعر يطلب منها".
"الجرجيت"
ويقول ابو حميد وهو صاحب محال لبيع العباءة النسائية، لـ"الصباح": إن "هناك أقمشة كثيرة ومتنوعة، حيث ظهرت في فترة التسعينيات العباءة السورية رخيصة الثمن بعض الشيء، والعباءة اليابانية (التترون)، حيث لاقت رواجاً وإقبالا واسعا من قبل النساء في حينها، ثم جاءت الكورية والفرنسية، الأ أن أجود أنواع الأقمشة العراقية، هي (الجرجيت) لأن خيوطها ذات نوعية جيدة، وأصبحت تنافس الأقمشة الأجنبية، بالنسبة لأسعار العباءة في الأسواق حالياً تتراوح بين (25- 150) الف دينار للعباءة الواحدة".
رمز
وحسب التاريخ فإن لون العباءة كان قبل ذلك يحمل اللون الابيض، اذ كان هذا في عصر ما قبل الاسلام، الا أن الفترة التي مر بها العراق خلال العصر العباسي وفترة الحزن، التي عاصروها عند دخول المغول وما فعله حتى تغير اللون الى الاسود، وبالرغم من مظاهر الحزن الا أن العباءة العراقية أعدت رمزا جماليا وتراثيا يتغنى به الشعراء على مر الازمان، وارتبطت من جهة اخرى بحياء المرأة وعفتها وحرمتها، وكما نلاحظ عند موت احدى النساء، فيلف التابوت الذي يحملها بعباءتها معبراً عن ذلك بأن المتوفى امرأة.