فاضل عواد.. متصوُّفٌ في محراب الجمال

الصفحة الاخيرة 2019/02/02
...

سعد صاحب
فاضل عواد فنان غني بعقله المنير، استطاع بإرادته الخاصَّة، القفز من معلم مدرسة ابتدائيَّة، الى دكتوراه في اللغة والأدب العربي، وقبلها عمل في أشغالٍ متنوعة، ليثبت للآخرين أنَّ الفنانين أذكياءٌ، لا يعرفون المستحيل ولا يخشون حواجز الزمن الممتدة على طول الطريق.
عواد يرى في الغناء خلطة إنسانيَّة شاملة من الحب والتصوف والعزيمة والحق والطفولة والجمال والحرية، ولغة سلسة يتحدث بها جميع الناس على اختلاف لهجاتهم وسحناتهم وأوطانهم، لأنه التعبير الصادق عن مواجع المظلومين في كل العالم وخلاص الذات من هواجسها القاتلة. هو كائن منذور للعطاء الأصيل منذ ولادته يغني وحتى زمان المشيب، ربما الآن لا تطاوعه الحنجرة الذهبيَّة على ترديد الأغاني السابقة، لأنَّ الصوت له عمرٌ محدودٌ، وليس من الممكن أنْ يكون غناء الشيخ مساوياً للشاب المندفع نحو النجوميَّة والمال والشهرة. لكنه لا يغار إذا سمع بلبلاً يشدو بصوتٍ جميلٍ، بل يثني عليه ويوجهه باختصار المسافة في الوصول الى القمة.
فاضل بقي على سجيته الأولى وعلى تواضعه المعهود في حالة الفقر وعند الغنى، وكان ميله الى الفقراء واضحاً، كما معروف عند المتصوفة. كان بالضد من أنْ يعمل الفنان في السياسة بوصفها فن الخداع، ومن جانب آخر وثق في أغانيه الكثير من اللحظات العراقيَّة الجميلة، وفي بعض النصوص التي غناها، امتدادات سياسيّة لها جذورٌ عميقة.
فاضل يثابرُ ويجدُّ في العمل، متخذاً من العِلمِ دليلاً يرشده في الليالي المظلمات، وبقي مواظبا حتى أخذ مكانه المناسب، وهو موزعٌ بين إغراءات الأرض وجنائن السماء، لكنَّه أطال النظر الى الأعلى، لكون العالم الأرضي يزول مهما عمَّر الشخصُ طويلاً، والمجد السماوي باقٍ الى ما لا نهاية. حينما يشعر بالضغوط النفسيَّة يتوجه الى زيارة المراقد، أو يحمل خبزاً في كيس من قماش، ويهيم في الصحراء درويشاً لا يطلب سوى محبة 
الخالق.
وفاضل قطع شوطاً كبيراً في عالم التصوف، هائماً في دنيا الدراويش والتكايا والدفوف والمدائح، متفرغاً الى الاعتكاف والجذب والمعرفة والتفاعل، وكانت يد الله تسنده في كل المشاوير، وتطلقه فراشة في الحقول. لم يكن عشقه للموسيقى بلا دراية، إنه يدرك بالتمام ما تفعله الأنغام الموسيقيَّة من تأثير فعَّال في المشاعر والأحاسيس والعواطف، فهي الصدى الحقيقي لنبض القلوب العاشقة.
من مميزات صوته القوة والرخامة والسيطرة والجواب العالي، ما سمح له بالتميز في غناء المواويل، وإنه مؤدٍ من الطراز الرفيع. فاضل عواد كائن زاهد بالكثير من المغريات، مرَّ بمراحل من حياته يعتزل الناس ويطيل من التأمل والزهد والعبادة والمناجاة والاتصال، محاولاً تأسيس نواة للغناء الصوفي، لكنَّ الظروف السياسيَّة والاجتماعيَّة إبان فترة السبعينيات في بغداد لم تسمح بذلك.