كل العراقيين يتمنّون أن يكونوا جيرانًا للقمر، كما وصفت فيروز ذات مرّة.
لكن وصف تلك الأغنية عن الجيرة مع جار يُشبه القمر، جاء فقط لأن كاتب كلمات الأغنية تعجّب من هذه الحالة النادرة، نادرة الى درجة أنها تصلُح أن تكون شعرًا. أمّا الحياة الحقيقية فإننا نتخاصم فيها مع الجيران، ونتصالح لبضعة أيّام، ثم نعود الى الخصام، وهكذا. ومع ذلك، يحلو للبعض أن يصف هذا الخصيم المزمن بأنه جار العُمر مثلًا.
أمّا الدول، فلا أقمار ولا عُمر يشفعُ في جيرتها لبعضها البعض، وإذا كانت هناك مناوشات كلامية بينك وبين جيرانك، فالمناوشات بين الدول سرعان ما تستعر الى حروب لا تنطفئ، نعني هنا الجوار بين الدول بشكلها الحديث، أو الجوار بين الحضارات القديمة والشعوب التي شيّدت تلك الحضارات.
الأمر تسوقه حتمية من نوع ما. أو إن التاريخ هكذا جرى، عبر ثنائيات التجاور. ومسحة سريعة للأمثلة ستكشف لنا عن عُمق اعتياد وجود صراع مع الجوار؛ الهند مع باكستان، والكوريتين، وتركيا مع اليونان، والجزائر مع المغرب، كلّها وغيرها أمثلة على علو صوت الصراع وطغيانه على صوت الاستقرار. لكن الصراع يخلق – وهذه من إيجابياته- إحساسًا مشتركًا بأهمية التعايش المشترك. لا يمكن للنزاعات أن تدوم الى الأبد.
العلامة الأسوأ في هذا المد والجزر، هو أن تصادفنا مع الجيران حربٌ تحوّل الصفعات والتوترات المعتادة والمتبادلة الى دم، وهذا الدم للأسف يكون له دائمًا أثر طويل الأمد، أطول مما نتصوّر في بعض الأحيان.
الأمور ستحتاج عندها الى قدرات عالية من الجانبين على تخطّي العُقد التي تركها كل طرف في الآخر. شيء أكبر بكثير من الكلام، هذا ما يحتاج إليه العراق مع جيرانه، خاصة أولئك الذين لم ينسوا الحرب، وأظن أن لا أحد ينساها. يمكن فقط التعايش مع ذكراها الأليمة.