بيّن عائدون الى مناطق سكناهم في سهل نينوى ومدينة الموصل مركز المحافظة، وبين من لا يرغبون بالعودة، هكذا انقسمت العشرات من اسر الطائفة المسيحية الذين نزحوا من مناطقهم في الموصل وسهل نينوى شمال العراق، الذي تقطنه الاغلبية المسيحية من جميع الطوائف سواء كانوا من الكلدان او الآثوريين او الارمن، اذ ان الآلاف من المسيحيين الذين هجرتهم عصابات داعش في الثالث من آب عام 2014 منذ احتلالها لسهل نينوى بالكامل يتخبطون بين قرار البقاء والعودة.
اذ يقول القس ورجل الدين الاب عما نوئيل عظاد ايشو من كنيسة النور في تصريح لـ"الصباح" " لم يتدخل رجال الدين من الطائفة المسيحية ولا الجهات الامنية ولا حتى السياسية في عودة الاسر المسيحية او بقائها في مناطق النزوح كالعاصمة بغداد واقليم كردستان اللذين احتضنا الآلاف من مسيحيي سهل نينوى والموصل بعد تهجيرهم القسري من الموصل ومحافظة نينوى".
الظروف أقوى
ويضيف ايشو انه "على الرغم من أن الموصل تم تحريرها بالكامل من قبضة داعش على يد القوات الامنية العراقية، لكننا كمسيحيين لا يوجد لدينا اي ضمان مقدم من قبل الحكومة الاتحادية او المركزية لحماية المسيحيين عند العودة الى مناطق السهل او المساكن المتواجدة حاليا في مركز مدينة الموصل، فهناك اسر قد عادت وتقدر بالمئات من مجموع آلاف من المسيحيين، وما اجبرهم على العودة هو الظروف المادية التي مروا بها ودفعهم لمستحقات ايجارات باهظة جداً، على الرغم من أن اغلبهم قد تم تفجير منازلهم او تعرضت الى تفجير خلال الاحتلال، لكن الظروف اقوى منهم ما دفعهم الى العودة".
ويردف قائلا ان" بقاء الاسر امر عائد لهم، لكن الحكومة الاتحادية منحت مهلة لجميع الموظفين النازحين للعودة الى دوائرهم بالموصل والمباشرة بالدوام، بينما المسيحيون امتنعوا عن الذهاب الى الموصل اطلاقاً، وطالبوا من الحكومة المتمثلة برئيس الوزراء بتنسيبهم الى دوائر حكومية في سهل نينوى، لانهم لا يرغبون اطلاقا بالعودة الى الموصل على خلفية ما حدث لهم وتعرضهم الى شتى انواع التعذيب والسرقة والتهجير من قبل عصابات داعش، وهناك نحو عشرات من المسيحيين في المدينة مازال مصيرهم مجهولا حتى الان، امثال المسنين الذين لم يستطيعوا الخروج من منازلهم بسبب تدهور اوضاعهم الصحية."
سيناريو مكرر
اما الشاب رعد نادر ابلحد (26 عاما) والذي يعمل في ادارة كنيسة ام النور فيؤكد أن "العودة باتت امرا صعبا، بسبب ما تعرض له مسيحيو الموصل من سرقة وتدمير وانتهاكات لأعراضهم من قبل عصابات داعش، وتصعب اعادة هذا السيناريو بالتصديق من جديد والتعرض اليه مرة اخرى."
مضيفاً "ان هناك أزمة ثقة ولا ضمان متوجهاً حتى الان الينا لا من قبل رجال الدين ولا حتى القوات الامنية ولا الحكومة الاتحادية، وجميعهم لم يمنحونا اي ضمان، والكل يقولون لنا بان هذه الايام بعد التحرير استتب الامن بالكامل في مدينة الموصل عامة ومحافظة نينوى خاصة بعد انتشار العشرات من القوات الامنية الاتحادية والحشد الشعبي مع وجود حراسة من قبل الطائفة المسيحية، وجميع القوات التي تشرف على امن الموصل وسهل نينوى، لكننا لا نرغب بالعودة مطلقا".
ومازالت الآلاف من الاسر المسيحية التي كانت تقطن في مدينة الموصل مقيمة حتى الان بـ(كرفانات) خصصتها لها منظمات اجنبية بعد المطالبة من قبل رجال الدين في اقضية ونواح تابعة لاقليم كردستان، رافضين العودة الى مدينة الموصل، ومعتبرينها لم تشهد اي نوع من الامن والامان.
2000 اسرة
وكانت الحكومة المحلية في محافظة نينوى قد اعلنت في وقت سابق لـ"الصباح" عن عودة نحو 3آلاف اسرة مسيحية او اكثر الى مناطقها في مدينة الموصل وسهل نينوى بعد اعلان تحرير الموصل من قبضة داعش واستتباب الامن في مناطقهم المحررة، بينما ترفض نحو 2000 اسرة نازحة العودة الى مناطقها خشية اعادة مسلسل عصابات داعش واغتصاب مناطقهم مجددا في سهل نينوى الموطن الاصلي لهم. ويقول المواطن اسعد يوحنا (40 عاما) المقيم في محافظة دهوك بعد نزوحه منذ ستة اعوام "بان امر العودة بات صعبا جدا لأني لا امتلك المال او اي مبلغ تعويضي لترميم منزلي الصغير الذي فجرته عصابات داعش داخل الموصل وانا لا املك المال، لكون عملي اليومي الذي اعمل به بايام متقطعة قد لا تسد مبالغه اعالة اسرتي".
دوريات
ويقول يوسف بهنام وهو نازح، ويعمل معلماً لـ"الصباح" ان "العودة امر صعب ولكنني اضطررت للعودة مع اسرتي الى سهل نينوى في قضاء الحمدانية واجبرت بسبب تردي الاوضاع المادية التي اجبرت العديد من الاسر المسيحية على العودة". ويضيف ان "اشتياقنا لمناطقنا والحنين للوطن شيء جميل، لكن عصابات داعش قد انهت وخربت جميع المنازل في سهل نينوى، وعلى الرغم من أن العشرات من المسيحيين يفضلون العودة لنفاد صبرهم من النزوح والمصاريف، ولكن مشاهدة سهل نينوى ومناطق سكناهم مبهمة حتى الان، ونحن في مناطقنا نقوم بدوريات مع الحشد والقوات الامنية العراقية التي تشرف على امنها".