بين الازعاج والترحيب..الزيارات المفاجئة تربك الأسرة

ريبورتاج 2021/02/06
...

  غــيداء البياتــي 
 
تحرص آمال الزبيدي (37 ) عاماً على عدم احراج صديقة طفولتها وفاء بزيارة مفاجئة، كونها تحب التعامل مع زميلاتها واقاربها بـ"اتيكيت" على ما تقول، وتضيف:" على الرغم من سعادتي عند سماع رنة جرس باب المنزل، الا اني أشعر بالضجر من الضيف المفاجئ، لأني قد اكون حينها غير مستعدة لاستقباله، فالمنزل صغير ولا يحتوي على غرفة خاصة للضيوف واغلب الاحيان تجلس اسرتي بغرفة المعيشة "الصالة" ولذلك قد تكون بشكل غير مرتب لوجود الاطفال، ما يجعلني اشعر باحراج امام الضيف حين يفاجئني بقدومه خاصة اذا كان من غير الاقارب". 

ابو زياد (41)عاماً قال :" اخيراً قررت هذا العام أن احقق رغبة ام زياد في اصطحابها لمكان هادئ نجلس فيه ونعيد حبنا في ذكرى عيد زواجنا، وبينما تحاول زوجتي أن تجهز نفسها لتظهر بأحلى صورة وهي تفكر بسعادة في اللحظات التي سنقضيها معاً بعيداً عن فوضى الاولاد، رن جرس المنزل، ومن دون سابق انذار شن اخي وزوجته واولاده غارتهم واقتحموا الدار بعد فراق دام لاكثر من شهر بسبب خلاف اسري، فلم يبق باليد حيلة سوى العزوف عن الانفراد بالحبيبة ام زياد التي بدى على وجهها الامتعاض من تلك المفاجأة".
واضاف :" بالرغم من أن هذه الزيارة افسدت المفاجأة المعدة مسبقاً لام اولادي، الا انها اشعرتني بالسعادة، لأنها كسرت حاجز الزعل بيني وبين اخي واسرته". 
 
وقت الراحة
 ويبين ابو زياد أن :" الزيارة المفاجئة للضيوف تحبط معنويات اهل الدار المستضيفين وقد تحرجهم فمن الذوق أن يتصل الضيوف قبل القدوم على الاقل  بيوم او بضع ساعات، وعليهم أن يختاروا ايام العطل، خاصة اذا كان اصحاب الدار من الموظفين". 
وتشاركه ام زياد الرأي بالقول:" في ظل الحداثة وتطور الحياة اصبح التواصل سريعاً جداً ومتاحاً للجميع، اذ ان بإمكان اي شخص اخبار من يود زيارتهم بموعد سابق عبر الهاتف النقال، ففي السابق كان الهاتف الارضي الوسيلة الوحيدة للتواصل وهو معرض بين الحين والآخر للعطل، اما الآن فالتواصل اصبح اسهل عبر وسائل الاتصال المرتبطة بالانترنت المتوفر في كل بيت، خاصة ان لكل شخص التزامات، فهناك الكثير من الاشغال والمواعيد التي لا يمكن تأجيلها ".
 
 أهل الكرم
الناقد والباحث الاجتماعي زياد طارق بين :" في السابق كان الضيف مرحباً به من قبل اهل الدار في كل وقت، اذ يستقبل بحفاوة وكرم كبيرين، فكانوا يقدمون للضيف ما لذ وطاب من المشروبات والاطعمة وبأجمل الاطباق حتى يشعر الضيف أنه معزز ومكرم، فتسود قلبه الفرحة والمحبة لاهل الدار، اذ كانت القلوب بيضاء ونظيفة والنفوس اكثر ارتياحاً من الان، خاصة ان المواطن العراقي معروف بالكرم، وخير دليل على ذلك حاتم الطائي الذي قدم فرسه طعاماً لضيوفه وهي اعز ما يملك".
واكد طارق انه :" من الضروري جداً اعادة النظر بهذا الامر الاجتماعي المهم الذي يصل الرحم ويقوي العلاقات الاجتماعية بين افراد الاسرة  وابناء المجتمع الواحد، ففي تسعينيات القرن الماضي هذه الحقبة الصعبة التي مر بها بلدنا بسبب الحصار الاقتصادي، كان العراقيون يستقبلون ضيوفهم بحفاوة وحب ويحسسونهم بالمعزة، وكان لدى الاسر اعتقاد ومقولة أن "الخطار" خيره معه وهذا كان بسبب الترابط الاجتماعي والتآلف بين افراد الاسر العراقية".
 
الحياة الصناعية
اما عن وقتنا الحاضر فيقول زياد:" حاليا وبسبب المعيشة الصناعية اصبح الضيف يشعر بأنه ثقيل على اهل الدار وغير مرحب به وانه مجبر على ان يعطي وقتا معينا للزيارة بموعد مسبق لان اهل البيت قد يكونون غير مستعدين لاستقباله بسبب الحياة الصناعية التي تأخذ الكثير من وقتهم، واصبح الضيوف يشعرون بالملل احيانا من الزيارة لان اهل البيت ينشغلون عنهم بالموبايل في بعض الاحيان، ما يشعر الضيف بعدم وجوده وانه غير مرحب به من قبل ابناء الدار".
ويضيف مسترسلا بحديثه:" هنالك اسباب كثيرة اخرى في وقتنا الحاضر تجبر الضيف على اعطاء موعد مسبق للزيارة، منها مساحة البيوت التي بدأت تصغر، بسبب التفكك الاجتماعي بين الاسرة الواحدة التي بدأت تتشظى لاكثر من طرف ما يجعل الضيف يحس بانه ثقيل على صاحب المنزل، وهذا امر مهم جدا، فالاسر العراقية الان لم تعد تشعرنا بلذة الطيبة السابقة التي كان لها دور في بناء اسر ومجتمعات لها بصمة في الحياة".
التزييف والتصنع
واشار الباحث الى أنه بدأ في الآونة الاخيرة يستذكر ماضي العراقيين الجميل ويتمنى أن تعود اللحظات التي كان يعيشها بين اسرته واقاربه وشعوره الفذ بالفرح عند قرع جرس المنزل الذي يلوح بوجود ضيف خلفه يحسسه بالسعادة على عكس حاضره المظلم الذي ابعده عن عادات رائعة وحقيقية بعيدة عن التزييف والتصنع كما يقول".  
 
تقاليد
وتشاركه الرأي استاذة علم النفس والتربية بجامعة بغداد د. ناز بدر خان السندي التي اوضحت :" في السابق كانت الحياة تتميز بالبساطة، لذا فان الاسر   كانت تفرح بالضيف ولا تشعر بالمفاجأة من قدومه بل على العكس كانوا يرحبون به ويكرمونه منذ دخوله حتى خروجه من الدار، لأنها كانت عادات وتقاليد عند العراقيين، فالحياة الاجتماعية حينها كانت اكثر انفتاحا والاسر اكثر ترابطا من الان، وحتى الارتباطات والمسؤوليات اقل بكثير، فكان الضيف مرحبا به في اي وقت، اما الآن اصبح الناس اكثر انشغالا والحياة اكثر تعقيدا بسبب صغر مساحة البيوت والوضع الاقتصادي المتردي لبعض الاسر وانشغال افرادها بالتكنولوجيا الحديثة والسوشيال ميديا، هذا كله اسهم في تغيير مفهوم تلك العادات، فأصبح من الواجب على الضيف ان يحدد موعدا للزيارة".
بدر خان اكدت خلال حديثها "ان الضيف عند الاسر العراقية مرحب به في اي وقت لكن من الافضل للزائر أن يحدد موعدا ليضمن وجود افراد الاسرة في المنزل، كذلك من حق المستضيف أن يهيئ امور الضيافة ويستعد لاستقبال من يزوره برحابة صدر لتلافي الاحراج".