بروباغندا الموناليزا

منصة 2021/02/07
...

عفاف مطر
 
قيمة لوحة الموناليزا الآن تصل الى نحو 800 مليون دولار؛ حتى تصل الى هذه اللوحة في متحف اللوفر الفرنسي، عليك أولا أن تنتظر من ساعة الى ساعة ونصف حتى يأتي دورك، لتقف أمامها مباشرة وتراها لكن، لمدة لا تتجاوز الثلاثين ثانية فقط، يفصلك عنها جدار زجاجي مضاد للرصاص.
المهم؛ بعد كل هذا الوقت والجهد، تجد نفسك وأنت تقف أمام الموناليزا أغلى وأشهر لوحة في العالم، قد تشعر بخيبة الأمل، ربما تسألني عزيز القارئ الذي بطبيعة الحال لم تذهب الى هناك سابقاً: لماذا؟ لكن قبل أن أجيبك، دعني أُعلمك ماذا يسأل السائح نفسه حين يصل ويقف في حضرة الموناليزا، إذ يسأل: هل هذه اللوحة، هي فعلاً أغلى لوحة في العالم؟ 
هل هذه اللوحة، هي فعلاً أشهر عمل للعبقري ليوناردو دافنشي؟ الآن سأجيبك لمذا قد تشعر بخيبة الأمل، ومن اجابتي ستعرف لماذا سأل السائح نفسه تلك الأسئلة؟ أولاً: قياس اللوحة 4×6 فقط، أي انها صغيرة الحجم، لا سيّما حين تقارن حجمها بفخامة اللوفر نفسه ولوحاته الشهيرة وذات القياس الكبير جداً، ثانياً: السيدة ليزا (مونا تعني مدام في الايطالية) ليست شخصية مهمة أو مشهورة في المجتمع الايطالي أبداً، وصحيح أنها جميلة، لكن؛ ليست ذات جمال فائق أبداً، وهي كذلك ليست سوى زوجة رجل صاحب منصب حكومي عادي – السيد جوكندا- أي أنه هو الآخر ليس ذا أهمية أو شهرة كبيرة في المجتمع الايطالي أيضاً. 
يقال إن دافنشي بعد أن انتهى من اللوحة أخذها معه الى فرنسا، ولم يسلمها للسيد جوكندا، ويقال أيضاً إن لهذه اللوحة أكثر من نسخة في العالم، أي أنها لم تكن النسخة الوحيدة، وهنا نأتي الى ثالثاً: هناك نسبة مئوية وإن لم تكن كبيرة، لكنه احتمال وراد؛ أن الموناليزا التي يقف أمامها السائح بعد انتظار طويل، قد لا تكون هي اللوحة الأصلية، وأنها قد تكون من إحدى تلك النسخ، فهناك نسخة في مدريد، وأخرى ظهرت قبل ثلاثين عاماً فقط في أحد البنوك السويسرية، وبعد ظهور الأخيرة، أكدت العديد من الدراسات الفنية والنقدية، أنها هي اللوحة الأصلية وليست تلك التي في اللوفر، وأن تاريخها يعود الى ما قبل تاريخ موناليزا اللوفر، وتسمى بالـ Isleworth Mona Lisa. رابعاً: اللوحة باجماع نقاد الفن التشكيلي ليست العمل الأهم لدافنشي، فلوحة السالفتور موندي، ولوحة العشاء الأخير –الأثنتان لدافنشي- أهم بكثير من الموناليزا، إذن، لماذا تعدُّ الموناليزا أشهر وأغلى لوحة في العالم؟ 
المؤرخ الفني Donald Sassoon يقول: إن سعر اللوحة في عام 1849 كان تسعين ألف فرنك. صحيح أن هذا المبلغ بذاك الزمان يعدُّ مبلغاً كبيراً، لكنه لم يكن أغلى من لوحة Holy Family للفنان العالمي Raphael، التي كانت تقدر حينها بـستمئة ألف فرنك. نقطة التحول في تاريخ هذه اللوحة كانت في عام 1911، حين سُرِقَت اللوحة من اللوفر. 
كانت إدارة المتحف قد أوكلت مهمة صنع جدار زجاجي للوحة لـ Vincenzo Peruggia، أثناء أوقات العمل الرسمية، ولصغر حجم اللوحة، سرقها Vincenzo وخبأها في ثيابه وخرج من المتحف. التساؤلات التي احاطت بعملية السرقة هذه كانت كثيرة، والأجوبة كانت متنوعة، منهم من أكد أن Vincenzo كان يريد ارجاع اللوحة الى ايطاليا موطنها الأصلي، ومنهم من أكد أنه كان يريد بيعها ليكسب المال، وآخرون أكدوا أنه كان لدى Vincenzo عدة نسخ مزورة من الموناليزا، فحين تختفي اللوحة من اللوفر يستطيع بيع كل النسخ، التي معه في أنحاء متفرقة من العالم على أنها الأصلية، فيكسب أضعافاً 
مضاعفة. 
الموناليزا بقيت في غرفة نوم Vincenzo لمدة عامين، وهو الرجل الثاني بعد نابليون بونابرت الذي باتت فيها الموناليزا في غرفة نومه، إمبراطور ولص! حتى قبض عليه وهو يحاول بيعها الى مدير متحف في فلورنس، وحُكِم عليه بالسجن ستة أشهر، وتحول الى بطل في ايطاليا. على مدى هذين العامين لم تهدأ الصحف وهي تنقل تقارير وأخبارا وتخمينات حول اختفاء اللوحة مما أعطاها شهرة عالمية كبيرة، وقد نشط المزيفون بعمل نسخ كثيرة عنها وبيعها على أنها الأصلية، مما زاد من أخبار عمليات النصب والتزييف حول هذه اللوحة، فضاعف من شهرتها أكثر وأكثر. هذه الشهرة جعلت اللوحة في خطر أكبر حتى بعد ارجاعها الى اللوفر، إذ من الحكايات التي تروى عنها؛ أنه في عام 1956 قام أحد الاشخاص بضرب الإطار الزجاجي للوحة بحجر فكسر اللوح، وقبل هذه الحادثة، هناك رجل حاول تمزيق اللوحة بمشرط وتم ايقافه في اللحظة الأخيرة، وفي عام 1974 قامت إمرأة برش (سبريه) أحمر على اللوحة، وكلما زادت هذه الحوادث، ازدادت معها شهرة اللوحة ومن ثمّ ثمنها. مبدأ مهم في التسويق ينص على: أن الدعاية السيئة تظل
دعاية.