رواية ترتر .. تداخلات التاريخ والجمال

ثقافة 2019/02/02
...

 
صباح محسن كاظم
تمهيد
في روايَة {ترتر} التي تمتح من التاريَخ  تداخل الأحداث - الشخصيات - الصراع - الحملات العسكريَة  الأوروبيَة تمكّن المبدع " نزار عبد الستار" من توظيف جماليَة اللغة من خلال عنصر التشويق بجماليَة السرد، مع تفرّد بسعة المتخيل السرديَ بدمج الفعل الجماليَ بالقدرة التعبيرية بتطويع اللغة بجماليتها من خلال سبك العبارة الوصفية للأحداث التاريخيَة  باتّقان .. أي بمعنى عدم الإسهاب  بالوصف  الفائض عن السرد بل بتقنينه تبعا للتراكيب الجملية التي تمنح الرواية المرونة بالسرد التاريخيَ ؛ فالتاريخ  يتسع  للحكي  بكل التفاصيل  فيما السرد يعتمد الرؤية الجماليَة  باستلهام الأحداث.
 
تاريخيَة الحدث 
والمهارة بالسرد 
لعلّ السؤال الجوهري بالروايَة التاريخيَة، هل الروائي همّه الاعتناء بالتوثيَق للأحداث فقط؛ أم  تضمين الأحداث بنسق البناء السردي؛ أو تداخلهما معا؟،  بالحالة الأولى والثانية تنزاح القراءة  نحو التاريخ المحض بالطبع تكون تلك وثائق تاريخية محاكاة كالمدونات بالمصنفات بإدعاء المحافظة على دقة بروَي الحدث، وهذا يقع بفخ  وشراك التوثيق التاريخي .. فيما أجد: "عبد الستار" سعى لتقديم رواية عبرت التاريخانيَة والزمنية بجدلية الحوارات، ودهشة  وصفية الأمكنة. 
والحالات الإنسانية في أجواء متشابكة من المصالح الغربية  سواء الالمانية، والبريطانية، والتركية، والشرق أوسطية  بقدرته الفنيَة بصناعة السرد المتقن، وتجاوز حبال الأحداث برشاقة فنية رفيعة بين الموصل واسطنبول وبرلين ولندن ومصالح العالم. ليس من السهل بتاتا توظيف التاريخ بالسرد خشية الاستغراق بالأحداث وتشتيت المتلقي بأحداث مهولة من الجزئيات والتفاصيَل؛ لذا مهارة السارد تتجلى بضبط إيقاع الوصف التاريخيَ للتماهي مع أزمنة الوقائع أولاً ولغاية ضمان تفوق البناء السردي المُحكم  في معالجة روايته بتؤده بإمساك خيوط الأحداث بعدم تشابكها مع استلهام الحالة خيالياً في توقد الذهن بوصف العلاقات الاجتماعية، وكل مايحيط زمن الرواية حتى الإكسسوارات من الأزياء، والأطعمة والأرائك. 
ووصف العلاقات الحميمية لامرأة فاتنة بجسدها الأنثوي المُغري وبالعلاقات العاطفيَة والرومانسيَة الطافحة، والمصالح الألمانية بإدخال التجّار الألمان إلى ولاية الموصل في روايَة الأحداث  باحترافية غير مملة ومستفزة، دهشة الروَي بحبكته وربط الأحداث رغم تعدد الشخصيات نجح ببراعة بتصويرالواقع التاريخيَ المتشابك بالمصالح.
 
تشكّل الحدث وزمن السرد
في رواية (ترتر) المُحتشدة بتاريخ الشرق، والغرب، وتشابك المصالح، شكلت سيرورة استراتيجيات دولية في منطقة غنية بالتاريَخ، والحضارة، والأسواق، والعقائد، وحركة الاقتصاد.. فالموصل مهد الحضارة الآشورية، وبوابة العراق الشمالية، مرت بتلك الأحداث وتشكلها طوال وجودها الحضاريَ بكل حقبها عند ازدهارها, وانكسارها، واحتلالها لكنها مدينة عصيّة على الموت بل مدينة تشعُّ بكل أزمنتها.
وهذا يحسب لها ولأهلها وتنوعها، وثراء المكان وجغرافيته الجميلة من هنا نجاح الروائي "نزار عبد الستار" في استكناه عمق المدينة وتاريخها بتوظيف مهارته بإبراز القيمة  التاريخية في بناء السرد وحبكته. رواية أحداث "ترتر" في تشرين الأول من العام 1898، إذ يقوم إمبراطور ألمانيا فيلهلم الثاني برحلة إلى الشرق إلى اسطنبول وجولة بجمال الأمكنة والقصور العثمانية الباذخة، يلتقي السلطان عبد الحميد الثاني وكل في هدفه خدمة مصالح أمته ويخطّطان معاً لإنشاء سكة حديد (برلين- بغداد) بهدف منافسة التجارة الإنكليزية ضمن الصراع الاقتصادي لقطع طريق الهند البري. لمواكبة المشروع، يجب قبل كلّ شيء إدخال التجّار الألمان إلى ولاية الموصل والعمل على تأسيس صناعة نسيجية تتفوق على الصناعة الإنكليزية. 
ومن غير آينور هانز ابنة الرايخ الثاني، وليدة الأب الألماني والأم التركية، التي تعمل مرشدة سياحية في وكالة توماس كوك للسفر، للقيام  بتلك المهمة فيما آينور هانز المسكونة بالأحلام، التواقة لتحقيق رغباتها في ظل صراع محتدم النفوذ والمصالح الأوربية في ص17، حين دخل اليخت الإمبراطوري مضيق الدردنيل في السابع عشر من تشرين الأول برفقة البارجتين هيراتا وهيلا، كانت آينور هانز قد كسبت قلب الإمبراطورة أوغستا فيكتوريا وجرَدها القلق ....) برَع السارد بوصفها ص20، كانت آينور فخثاَ مغشوشاَ بإتقان. باهتة البياض وشقراء، لكنّها غير مأسورة في فساتينها، ولا مستسلمة للرقة, والرهافة الناعسة. مقطوفة من الحقول، كأنَ طبيعتها غير زهرية....)، حشد كبير من الشخصيات من -الإمبراطور والسلطان والرجال في حياة آينور من  فيلهلم الثاني واوغستا فيكتوريا والقنصل الفرنسي فيكتور دولاباس  وكروغر هايس  وشاؤول جلعادي وسعيد أفندي السعرتي  والمعلم باستور الطبيب جرجس  السير هنري هانسفورد  نوري باشا  وزكريا وخان وجليلة  خواجه احمد  والشركسي الشيخ مصطفى الشهرزوري  .. وشخصيات لعبت الأدوار بتلك الرواية – وجغرافية مدن  من البصرة الى كركوك والسليمانية والموصل شغلت حركة الاحداث وفاعلية أبطال الرواية. في ظل تلك الأحداث تختم الرواية في ص 272، قالت آينور بصوتٍ فيه أسى:
- لكنّي لم أنهِ مهمَتي بعد يامولاي.
- نظر في عينيها:
- أنا من انتهت مهمّته يا آينور.
الصراع في ترتر وتشابك الأحداث ترتكن لسياقات الهيمنة الاقتصادية وبسط النفوذ. يؤكد "جورج لوكاش" في كتابه التاريخ والوعي الطبقي ص210: (... بالنسبة للتطور الاقتصادي, لا يتم هذا التحرر بتوازٍ آليٍّ : من جهة أنه يسبقه؛ ومن جهة أخرى يتبعه. كتحرر محض آيديولوجي, يمكن أن يكون حاجزاَ - وغالبا مايكونه-  في فترة لم يعط بها في الواقع التاريخي إلّا الاندفاع ,من أجل الأساس الاقتصادي لنظام
 اجتماعي....).