يوتوبيا مدينة الماء

ثقافة 2019/02/02
...

 
زهير بردى
أذهب إلى حانة تحرسها خفافيش تلبس نظارات رخامية. أجلس إلى أنكي النحيل يلهو بتدخين النساء ولا يمل بالعبث بدخان سيكارته بوشاح اسود يزيّن ثوبه الابيض مخمورا من نصفه الكامل بتاج سومر وبقامة وارفة الأضواء، يا أور المقدسة ضعي سهو الماء في كأسه المغمورة بمصائر سومر وايقونات أور، أنا لستُ إنليل المحاط بآلهة الضوء، وما نزلت من العرش السماوي، أنا سيد الخضرة والطين أتزيّن بالورد البري وأرفع هامتي إلى السماء كل ضوء.
***
تزورني قبل النسيان الأخطاء كثيرا ولا أحد يعرف من كان إيّاها غيري، ولحسن الحظ ما كنت ولدت بعد إلى حد ما ومنذ هذا اليوم طمحت أن أصعد للاستسقاء تحت تل مع امرأة تذرف قطرات من الحب في الهواء للاهتمام بالنسل وتعوي، وكنت أمسك غصن زيتون وأتصفّح الضوء دون فائدة، أنا هذا الكائن الطيب كنت فكرت أن أنظر الى القمر بريبة، وبهذا الكم من التجاعيد كنت أمسح رثاء الحرب من أيامي الشاقة، وبطموح لا يكلُّ أستردُّ تدريجيا وباستمرار ما يغفر لي وما ذنبي كنت أبتهل. 
أنا الموقر الظاهر في محمل الجد من سحنتي الطفولية كنت أمسك بيدي حلويات كثيرة أختار شروطا ليست سهلة تفكر بامر سيء لتهزمني وأزداد غرابة بأطواري وهي ليست ميسورة طبعا، فأعبر إليَّ ببساطة مقطع موسيقي لاذع وكأني الأسوأ في الضحك، يضجر الضوء ببصره وهو يلتقط لي جنونا لأخسر قبح الليل، ويسنح لي الوقت أن أجلس إلى ظلام وحدي أنظر إلى لافتات تستر ثوبها الاسود وهي تركض فوق الارض بالضبط تحت ستائر ملوّثة بنفايات كلام في ثرثرة حواء أضعها في مكتبي للانطفاء تماما بدعواتها المسكونة بالجن، أنا لا يمكن أن استمرّ هكذا لأنّي تعوّدت أن أسمحَ للغيوم أن تعبر من فوق رأسي وأفتحَ نافذتي يغمرها الثلجُ والوردة تغمضُ عينيها في بلل أصابعي وتخرج للتجوال في قهقهات لا تفهم كثيرا، أتفقد أوضاعي وأعطي فرصة لمن ينتظرني طويلا لأصطاد له دهشتي ومحض ما لا أقدر أن أصفه الآن بشكل عاجل.
***
أعبثُ بالظل الأكثر جمالا من ملح أبيض يمدُّ عنقه من محيط ظل يخشى فم الضوء قرب قبر نحيف يكاد أن يكون عجينة يرتجف من أمور عجيبة لم يألفها حين كان في عطلة موت مؤقت وكان يخلط باتقان الجثّة بكومة ذكريات يمارس متعه المألوفة تحت نوافذ تسرد سيرة مواعظ مقدسة لم يمسسها الجان، كنت واحدا قبلي ما كنت أبدا إلاّ واحدا والعشب بيدي في أصص الورد نساء وأبتكر الدود وما يلائم هذا التراب من الماء برداً، وطعم الملح الذائب في ليونة الطين هالات ضوء ونقوشا من قشٍّ أطلقها في قوس غياب، وأنا طبعا منذ ليلة غد أهذي حكمة إيزيس أمام النعش واستقبل فوضى شمس تأتي من معابد اور واسمع الالهة بلا قرار تسبقني إليه فأجلس إلى أنثى الليل وأسعى إلى فم طلسم بنقشات غريبة فوق طوق كوخ أسطوري محذوف من البصر بضوضاء من أبجدية تضيء بي وأنا أطمس جسدي في خرائب أوروك بحثا عن أساطيري في الثلج وقد صارت حطباً وجسدي في ورد كلام مكسور صيادا بيد فارغة.
***
شمس كثيرة تمر بعدد اشخاص البطاقة التموينية والسكر الابيض ورما ارضية الغرفة المبللة بدخان السكائر تمسك يدي كل يوم وتحصي  ذنوبي وما يعجبها أن استمر باساليبي الرثّة في الرثاء ورغم أنّها أعطتني عكازا فإني أمشي كناطحة دراجة تختار بخارا مرهقا من فم سمكة في علبة سردين، ومن جانب آخر وبشكل عادل كنت قادرا قبل الحرب أن أكون مثلي الآن تماما, ولهذا كتبت مثلك بعد الحر أنتظر الورد من مرايا الليل منذ أعوام، ولاجل أن أخرج من مصح عقلي في مزاد يوم غد كنت أسمع أنّ اليابسة ليست بعيدة وأنّي منذ سنوات أصبحت صغيرا لا يفهمني أحد، أفكر دون سبب بأشياء كثيرة لأشعر بالقلق وأنتبه إلى باب بيتي، حبل في شكل خارطة العالم وأني أتكلّم طازجا مفردات كعنقود عنب وأحتاج الى يوم واحد فقط لأعثر على ضالتي وأنتخبها شكلا آخر لي في متحف مرتفع عن الارض يبيع كتبا لم تصل بعد، وأنظر إلى بئر مشمسة طمعا بسفر كي أسقط منّي.