السيد العظيم .. الاستبداد في جذوره وثماره!

ثقافة 2019/02/02
...

عبدالامير المجر 
 
 
تبدأ رواية (السيد العظيم)، للروائي سعد سعيد، من اللحظات الاخيرة في حياة حاكم مستبد، يكتسح احداث الرواية على مدى نحو ثلاثمئة صفحة من القطع الكبير، تتوزع بينها مراحل تسلقه، بعد ان يبدأ رحلته الحياتية من قاع المجتمع، ويكاد يموت في طفولته البائسة، وسط فوضى عائلة كبيرة معدمة، لولا ان أخته الكبرى تنتشله من الموت وتمنحه حياة طويلة. يرى الروائي، ان تلك الاخت لم تكن لتعلم انها بانقاذ هذا الطفل (مهيرش) تسببت في هلاك الالاف من البشر .. لقد لعبت المصادفات والاقدار دورها في دفع هذا الكائن المأزوم الى القمة، ليغدو حاكما مستبدا، بعد ان يتغير اسمه، ويغدو (مجدي خالد مالديني) الذي تقف خلف قدراته الذاتية غير العادية، قوى غامضة وتدفعه الى قمة الهرم، او هكذا تنتهي رحلته الماراثونية نحو السلطة، فيسقط كل عقده المرضية وازماته النفسية من خلالها، ضد معيتّه المقربين وشعبه.. لقد جسد الروائي ضمير المستبد على هيأة كائن يتحدث اليه وهو ينازع سكرات الموت، يصحو ويخاطبه قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة، فيبدو الحديث وكأنه بمثابة ازاحة الستار عن الاحداث، التي يلعب الروائي بازمانها، ليمنح عمله طاقة ويبعده عن الرتابة. اذ تجد انك تقرأ فصلا يتحدث عن بدايات (مهيرش) وطفولته، ثم ياتيك فصل اخر يتحدث عن (مجدي خالد مالديني) المستبد في واحدة من مباذله، او نزواته او غضبه .. ولاينسى الجانب المضيء من انسانيته المغيبة، تحت سطوة السلطة وشهوتها التي تستحوذ عليه وتمسخ روحه وعقله، وهذه، الانسانية تطل من بين ركام الاحداث المروعة التي تتوزع يومياته، وهو يمارس اشباع غرائزه في السلطة ولذائذها، مدفوعا بثقل الحرمان الكامن في اعماقه .. فمهيرش الذي تسنح له فرصة ليتعلم، يجد نفسه منساقا لرغبة جارفة في ان يكون ضابطا في الجيش، بعد ان يشاهد الهيبة والمكانة المجتمعية للضابط، وهناك تبدأ رحلة توظيفه من قبل قوى خفية، تمهد له الطريق نحو مجده وحتفه معا، ولعل (الكائن) الذي يخاطبه وهو يعيش لحظاته الاخيرة، هو ضميره الذي اشرنا اليه، او هو ظل تلك القوى التي دفعته للقمة قبل ان تركه لمصيره .. 
• (( لا انا لا اريد منك شيئا .. فقط اديت ماوجدت من اجله
• الان لديك السرمدية كلها للتفكير بما حدث
لم يسمع هو، الكائن ينهي كلامه، لانه كان قد رحل)) ص 9
لاشك ان فكرة الرواية، ليست جديدة، اذ اشتغل عليها كثيرون، لكن الشيء الجديد فيها، ان سعد سعيد، اراد ان يقدم هذا المستبد الذي جعل ميدانه السياسي والاجتماعي مطلقا وغير مقيّد بزمن او معرّف بجغرافية معينة. 
الرواية زاوجت بين الواقعية والفنتازيا، بطريقة بدت مقنعة احيانا واحيانا غير ذلك، فيما خدم الزمن المطلق الروائي والرواية معا، لانه لم يحدد مرحلة معينة، مثلما لم يسهب في وصف المكان، وصب تركيزه على الاحداث التي توالت بطريقة الاسترجاع (الفلاش باك)، فضلا عن بانورامية الاحداث وسعتها، التي ظل السيد العظيم محورها، بين مراحل حياته، طفلا او شابا ضابطا، او حاكما، بعد ان تدرج في الرتب العسكرية، ليؤهل او تؤهله الجهات التي وقفت وراءه، ليكون في خدمتها مقابل ان تحمي عرشه، وبذلك اوصل الروائي رسالة خاصة، خفف فيها العبء عن الطغاة، بصفتهم بشرا، واثقل على الكبار المتحكمين بهم وباسمهم! حتى انه اعطى المستبد او مهيرش دورا انسانيا حين جعل علاقته بالحيوانات تقترب من التماهي بعض الشيء، من دون ان ينسى، الروائي، بث رسائله من خلال احد الحمير، الذي اهان السيد العظيم، بطريقة غير مباشرة، اثناء حوارهما! وهنا اضعف البعد الفنتازي وجعله اقرب الى الاقحام، حيث بدا تدخل الروائي واضحا، مثلما سيتكرر ذلك في اكثر من موضع من الرواية، عندما نجد ان صوت الروائي يدخل على سير الاحداث، ويسقط تصوراته الشخصية بطريقة مباشرة.
استطيع القول، ان رواية السيد العظيم، يمكن ان تكون تداعيات حرة، وجد سعد سعيد نفسه مستغرقا في كتابتها، وهو يتأمل المشهد الحياتي من حوله وحين توغل وتعذر عليه العودة، اقترح ان يجعل منها رواية، وهكذا ولدت .. ! او بالاصح هذا ما جال ببالي وانا اقرأ صفحاتها، مستسلما لبعض من الشد وبعض من الضجر! فالرواية طويلة، ويبدو ان الروائي كان يسهو كثيرا، فيسرح مع احلام كثيرة، وحين يدونها يجد انها باتت جزءا من هذه الرواية، التي جاءت ب (294) صفحة من القطع الكبير .. وكانت من منشورات الاختلاف .