القات.. تجارة ومصدر كبير للضرائب

بانوراما 2021/02/08
...

نبيه بولص
ترجمة: ليندا أدور
يمكن أن يكون الوقت مبكرا في السابعة صباحا، أو العاشرة أو ربما متأخرا، في الثانية بعد الظهر، لا يهم، فمتى ما افتتحت سوق القات أبوابها، يأتي إليها زبائنها، فهي تجتذبهم كالمغناطيس الى أطراف مدينة «عتق» الصحراوية، حيث توجد سوق «آجار»، وهي عبارة عن مستودع مشيد من الطوب الخرساني، يتجمع فيها العشرات من التجار لبيع  تلك النبتة المورقة وأكثر أنواع المخدرات شيوعا في اليمن. 
ومن دون ادنى شك، شاع استهلاك القات، فوفقا لإحدى الدراسات، فما كان يعد، وعلى مدى العقود الماضية، ترفا لأثرياء البلاد، أصبح عادة شبه يومية لنحو 90 بالمئة من سكانها، بضمنهم رجال ونساء وأطفال في سن الثانية عشرة. بينما تعارض دراسات أخرى هذا العدد، لكن حتى أكثر النظرات تعجلا، يمكن أن تخبرنا أنه ليس ببعيد عن الواقع. 
مع حلول فترة ما بعد الظهر، يبدأ الجميع بالدخول في جلسات ماراثونية بمضغ القات، تتحول على إثرها عيونهم الى زجاجية وباللون الأحمر مع ارتفاع ما يشبه الأمفيتامين، وتنتفخ فيها خدودهم مع تنامي «بلعات» أوراق القات المقطوفة طازجا من الشجيرة، اذ ترى الجميع من حولك: ينتف، يمضغ ويبتلع، ويعيد الكرة. 
يشكل كل هذا القات جزءا من تجارة كبيرة، لا يستهان بها في بلد انخفضت فيه قيمة الناتج الاجمالي المحلي والعملة الى النصف منذ اندلاع الحرب الأهلية هناك في العام 2014، حيث 85 بالمئة من سكانها بحاجة للمساعدات، طبقا لتقرير حكومي صدر العام الماضي. ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يعد القات، ويعرف باسم «كاثا إدوليس Catha edulis، أكبر محصول نقدي في اليمن، اذ تشكل زراعته مصدر دخل لنحو 37 بالمئة من السكان العاملين
 بالزراعة. 
يقول مشير صادق شميري، (35 عاما) تاجر القات البدين وهو جاثم على كرسيه في سوق آجار: “أن أصبح مقاتلا؟ كلا، فأنا أفضل أن أكون تاجر قات على ان أذهب للقتال”، مضيفا “أعمل بتجارة القات لأنه أفضل وأسهل عمل يمكن أن احصل عليه، وبالنسبة للفقراء، فإنه الخيار
 الأفضل”.
 
هدنة 
ربما هو كذلك، لكن يشير إليه المنتقدون بأنه المحرك الأساس للكثير من الأمراض التي تعاني منها البلاد لتسببه باستنزاف الموارد البشرية والطبيعية للبلاد وأهمها المياه. بالنسبة لهم، فان شيوع استخدام القات يشكل عبئا لا يمكن لليمنيين تحمله.  وفي أي يوم، يقول شميري، بأنه يبيع نحو 75 كغم من القات، وهو يوزع حزما من أغصان القات الخضراء الطازجة الملفوفة بأكياس بلاستيكية حمراء، فإن كانت هناك مناسبة اجتماعية، كمهرجان أو حفل زفاف، تزداد مبيعاته الى الضعف.
لدى سؤاله عن كمية القات التي يجب مضغها ليكون لها تأثير، يجيب شميري، برهبة، انه بالنسبة لمعظم الناس، بمقدار مِلء كيس: “البعض يحتاج للمزيد، عمّي، يمكن أن يأخذ سبعة أكياس”. ومثل غالبية التجار هنا، فالزيادة في كميات القات التي يجهزها شميري، جعلت منه خبيرا فيه وقادرا على اختيار النوع المناسب للمزاج الصحيح، يقول ملوحا بحزمتين مختلفتين من القات: “إنه كالعسل، أعرف كل أنواعه”، مقدما غصنين مورقين ويقول: “هذا النوع يجعلك تركز، أما هذا؟ سيفصلك عما يحيط
 بك”.
للحصول على أنواع مختلفة من القات ليس بالأمر الصعب، فرغم نموه حصريا في مناطق شمالي اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون، فإن شاحنات محملة بالقات تعبر يوميا، خطوط ساحة القتال، من دون أي مشكلات، متجهة الى مناطق تسيطر عليها الحكومة اليمنية او جنوبا حيث مجموعة مختلفة من الانفصاليين. 
يقول عمار عولقي، وكيل وزارة المياه والبيئة: “ترى أشخاصا يقاتلون الحوثيين في الخنادق، ويذهبون بعدها ليشتروا القات في مناطقهم”، منوها بأن الخطوط الأمامية تدخل حالة هدوء خلال أوقات المضغ، “بين منتصف النهار وحتى الرابعة مساء، هناك هدنة غير معلنة في اليمن”.
 
مصدر للضرائب
تستفيد الحكومة اليمينة من القات باعتباره مصدرا رئيسا للضرائب، ففي عتق، مركز محافظة شبوة، يدفع مقاولو القات مبلغ خمسة ملايين ريـال يمني (نحو 6300 دولار أميركي) يوميا الى الحكومة المحلية كضرائب عن كل كيس قات يباع، الأمر الذي يعد مكسبا مهما في بلد يعيش معظم سكانه بأقل من 2200 دولار سنويا.
لم تتسبب جائحة كورونا بتراجع الطلب على القات، بل على العكس تماما، يقول شميري: «توقف العمل في السوق بسبب الوباء، فلجأنا الى بيع القات من الشاحنات مباشرة في الصحراء لمدة ثلاثة أشهر». افتتحت الحكومة سوقين محليتين للقات، وتخطط لبناء سوق مركزية جديدة أكثر إتساعا وسط
 عتق. 
تهيمن زراعة القات على نحو اثنين بالمئة من مساحة الأراضي الزراعية لليمن، لتزاحم زراعة محاصيل أخرى في بلد ينتشر فيه الجوع وسوء التغذية. ولكون تجارة القات غير قانونية في الكثير من البلدان، لا يمكن تصديره، ولا يعد ذلك ذات أهمية اذا ما علمنا أن 97 بالمئة من القات المنتج محليا يتم استهلاكه محليا أيضا.
يرى أنصار القات بأنه لا يسبب الإدمان، ليس أكثر من الشاي والقهوة، على أقل تقدير، بل انه يزيد من انتاجية الفرد عبر زيادة التركيز وتفتح الذهن، كبديل عشبي لحبوب الريتالين. 
لم يتفق الجميع على حب القات، فيصفه الشاعر والثائر الراحل محمد الزبيري سنة 1958 بالشيطان، معترفا بحقيقة لا تزال ثابتة حتى اليوم بأنه: «الحاكم الأعلى في اليمن».