تشابه عناوين المؤلفات وتطابقها

منصة 2021/02/08
...

 فلاح العيساوي
 
في البدء نحتاج إلى مفاتيح نلج من خلالها إلى أبواب موضوعنا الذي سنخوض فيه، وأول الدخول إليه أطرح السؤال التالي: ما هو التناص والتشابه والاقتباس والمطابقة الحرفيَّة؟ أولا: تناصى (معجم الوسيط): (تناصى القوم: أخذ بعضهم بنواصي بعض في الخصومة. تناصَى الأشياء: اتصلت. يقال: هبت الرِّيحُ فتناصت الأغصان.. وجاء في موقع البيان كلام للناقد يوسف نوفل: (هناك فرق بين إنسان استولى على نصٍ بأكمله ووظفه توظيفاً كاملا بحذافيره، فهذا يعد أخذاً أو انتحالا أو سرقة. ويبين في الصدد، أن التناص هو فعليا غير النقل أو السطو أو السرقة، ففي التناص يمكن أن يتفق النص السابق في جملة اسم شخص أو حدث ما أو اسم موقعة أو شطر. كما يلفت إلى أن التناص يأتي من فعل «تناص» والذي يدل على المفاعلة، أي تحادثا أو تبادلا الحديث علانيَّة، أي إنه ثمة تفاعل معنوي بين النص السابق واللاحق.
أما التشابه فله عدة معانٍ في قواميس اللغة منها: بَيْنَهُمَا تَشَابُهٌ: شَبَهٌ، تَمَاثُلٌ. تَشَابَهَ الوَلَدَانِ: يُشْبِهُ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ. تَشَابَهَ الأَمْرُ عَلَيْهِ: اِخْتَلَطَ عَلَيْهِ لانْعِدَامِ التَّمَايُزِ البقرة آية 70 إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا (قرآن). تشابهتِ الأمورُ: اختلطت، التبست فلم تتميّز ولم تظهر. قانون التَّشابه: أحد قوانين تداعي المعاني، ويتلخّصُ في أنّ الصّور الذِّهنيّة المتشابهة مترابطة، ويستحضر بعضُها بعضًا في الذِّهن.
أما ما جاء في معنى الاقتباس: اقتبس منه النار: أخذها منه. اقتبس منه العلم: أخذه واستفاد منه. اقتبس العلم: استفاد منه. اقتبس الأديب: ضّمن كلامه آية من القرآن الكريم أو من الكتب الدينية الأخرى، أو عبارة من الحديث، أو قاعدة من بعض العلوم. اِقْتِبَاسُ أفْكَارٍ مِنْ كِتَابِ كَذَا: أخْذُها وَتحْوِيرُهَا، أيْ نَقْلُها نَقْلاً غَيْرَ حَرْفِيٍّ. اِقْتِبَاسُ مَسْرَحِيَّةٍ: اِسْتِيحَاءُ أَحْداثِها وَأجْوائِها مِنْ قِصَّةٍ أُخْرَى. أما معنى التطابق: تطابقَ يَتطابَق، تطابُقًا، فهو مُتطابِق. تَطَابَقَتْ آرَاؤُهُمْ: تَوَافَقَتْ. تَطَابُقُ الصُّورَتَيْنِ: تَمَاثُلُهُمَا، تَسَاوِيهِمَا. تساوي الشكلين الهندسيَّين بحيث ينطبق أحدهما على الآخر انطباقًا تامًّا.
ونستنتج مما تقدم أنَّ التشابه لا يفيد معنى الاتحاد حرفياً بين شيئين، أما التطابق فيفيد الاتحاد بين شيئين حرفياً، ومثاله عنوان مجموعتي الحكائية (عودة شهرزاد) تطابق حرفياً مع مجموعة شعريَّة حملت العنوان عينه، فحين إنني لم أكن أعلم بوجود هكذا عنوان، وهذا أيضاً يدلُّ على حدوث التناص وتوارد الأفكار في ما يخص العناوين.
والاقتباس أيضاً أمرٌ طبيعيٌّ ومتعارفٌ عليه عند جمهور المثقفين ولا غبار عليه، فيما إذا أخذ الفكرة ووظفها في شكل وأسلوب مغايرين.. أو عندما يقتبس حرفياً يقوم بذكر المؤلف وعنوان الكتاب.
ومع هذا يحق طرح السؤال: هل تشابه عناوين المؤلفات الأدبيَّة أو غيرها من المؤلفات؛ سرقة. أم توارد أفكار؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال المهم بودي توضيح سبب هذا الطرح والخوض فيه، إذ إنَّ فكرة هذا المقال جاءت بسبب اختلاف في وجهات النظر لدى بعض الأدباء من الزملاء، وحتى نصل إلى حقيقة الأمر والجواب المنطقي فلا بُدَّ من طرح الأفكار المختلفة والأقوال والرد عليها، منها الطرح التالي: (لا يوجد واقعاً تطابق وتشابه في عناوين المؤلفات).
والحقيقة هذا الطرح بعيدٌ عن الواقع فإنَّ من يطلع على الموسوعات الكبيرة التي ألفت في إحصاء المؤلفات يجد أنَّ عشرات الكتب قد اشتركت في عنوانٍ واحدٍ، ومن هذه الموسوعات كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) لآغا بزرك الطهراني، وأيضا من يطالع كتاب (الفهرست) لابن النديم يجد في أغلب أبوابه مجموعة من المؤلفات التي ذكرها لعلماء عصره قد اشتركت في عنوان واحد.. ولو راجعت فهارس مكاتب الجامعات العراقيَّة وغيرها لوجدت الآلاف من حالات التشابه وحتى التطابق الحرفي في عناوين الأطاريح العلمية - الماجستير والدكتوراه- وقد يقول قائل إنَّ ذلك العصر لم يكن لدى المؤلفين قدرة على الاطلاع والوصول إلى جميع عناوين المؤلفات وهذا الزمن يختلف، حيث وجود الإنترنت الذي قصر المسافات وألغى الحدود.
أقول: مع وجود الإنترنت والقدرة على البحث في محرك غوغل إلا أنَّ الواحد لا يستطيع الوصول إلى كل عناوين المؤلفات، من بداية عصر التدوين وإلى عصرنا الحاضر. ومن يقول خلاف هذا الكلام فعليه الإتيان بالدليل.
ويتبادر في ذهني سؤال وهو: (إذا قدح في فكري عنوان ما وكتبته على الورقة، ثم فكرت فيه وأمعنت النظر فيما إذا كان هناك عنوان آخر يتشابه معه أو يتطابق حرفياً وبعد التفكير وإعمال الذهن لم أجد في عقلي وجود عنوان آخر، ثم ذهبت وطبعت روايتي أو كتابي وظهر بعد حين وجود كتاب آخر بذات عنوان كتابي ومطبوع قبل كتابي أيضا، فهل أصبح في هذه الحالة سارقاً؟).
جاء في مقال على موقع اليوم السابع: ان الناشر سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، يقول: إن تشابه عناوين أي كتب من أجناس أدبية وفكرية واحدة هي سرقة، فإذا كان هناك رواية صدرت ورواية أخرى يحملان العناونين ذاتها، فيتم النظر لرقم إيداع كل منهما، ويكون صاحب رقم الإيداع الأول في التسجيل هو صاحب الحق، ويعدُّ الثاني سارقاً للعنوان.
أقول: كيف سمحت لنفسها الجهة المسؤولة؛ بمنح رقم إيداع لكتاب يحمل عنواناً سابقاً مسجلاً عندهم؟ أليس من واجب هذه الجهات المسؤولة، عدم منح أرقام إيداع لأي كتاب يتطابق عنوانه مع عنوان كتاب آخر، إذا كان هذا الفعل يعدُّ سرقة حسب القانون؟
وهناك من يقول: يوجد فرق بين كتب الأدب وغيرها، حيث إنَّ كتب الأدب هي نتاج فكري وعنوان الكتاب هو عصارة فكر إبداعي ومن غير الصحيح قبول اتحاد كتابين في العنوان عينه.
أقول: من غير المنطقي منع وقوع التشابه والتطابق في عناوين المؤلفات الإبداعية، إذ إنَّ العنوان هو عتبة الدخول إلى فحوى محتوى الكتاب، والعناوين صناعة فكر إبداعي قد تأثر عبر القراءات السابقة والاستفادة من القدماء والمعاصرين ولا يمكن فصل العقل عما نحت داخل هذا العقل من معارف هي السبب الأول في تكوين ثقافته المكتسبة، وأدباء السرد يعرفون جيداً أنَّ من المستحيل الوقوف أمام تطابق عناوين القصص القصيرة والقصيرة جداً، ولو تتبعنا عناوين القصص في مجموعة قصصية ما، يمكن أنْ نطلق عليها المجموعة (أ) ومجموعة قصصية أخرى (ب) سنجد الكثير من حالات التطابق الحرفي بين العناوين.
يقول الناقد الأستاذ ياسين النصير: (ربما سيكون رأيي مختلفاً لما هو شائع، شخصياً لا اعدره سرقة ولا تشابها، من دون معرفة المحتوى. إنما العنوان كما يفترض يستخرج من محتوى الكتاب، وغالباً ما يكون المحتوى هو الذي يفرض كلمات العنوان، علينا أنْ نبحث في العنوانات المتشابهة هل محتويات كتبها متشابهة؟ إذا كانت محتويات الكتب متشابهة فلا تعد العنوانات المتشابهة سرقة، أما إذا كانت المحتويات مختلفة، فاعتبرها سرقة».
أعتقد جازمًا لو كان عالميًا يوجد قانون دولي يمنع تطابق العناوين لتوحدت الدول ووضعت آليات صارمة بهذا الشأن، لكن كون هذا الأمر مباحاً عالميًا فتركت هكذا إجراءات مفترضة.