وجه قبيح آخر للعنصريَّة الاسرائيليَّة

بانوراما 2021/02/09
...

يمنى باتيل  
ترجمة: مي اسماعيل
رسم توزيع لقاح {كوفيد - 19} وصفا متكاملا للكيان الاسرائيلي القائم على التفرقة العنصرية، فقد تلقى نحو أربعمئة ألف اسرائيلي بالفعل لقاح الوقاية ضد فيروس كورونا، وينتظر عشرات الآلاف غيرهم دورهم خلال الاسابيع المقبلة. كانت اسرائيل قد بدأت بتوزيع اللقاح، وباتت اليوم (حسب بيانات نشرتها جامعة أوكسفورد) ثاني جهة من حيث التطعيمات للفرد.
على خلاف ما جرى في اسرائيل؛ لم تتمكن السلطة الفلسطينية من تأمين عدد الجرعات الكافية من اللقاح لتطعيم نحو ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، ومليونين في قطاع 
غزة. 
وبينما أعلن مسؤولو السلطة الفلسطينية توقعهم بدء تسلم اللقاح منذ أواسط الشهر الحالي عبر منظمة الصحة العالمية “WHO”؛ فقد قالوا إن الامر سيستغرق أشهرا قبل توزيع الجرعات بين عموم السكان، ليس معروفا نوع الجرعات التي سيتسلمها الفلسطينيون ولا كميتها؛ لاعتمادهم بقوة على التبرعات الدولية، كما لا تمتلك الحكومة الفلسطينية قدرات البنية التحتية لخزن لقاحات من نوع “فايزر”، التي تتطلب درجات حرارة واطئة، بينما يعيش الفلسطينيون بين فترات لا منتهية من الاغلاق، وينتشر الفيروس بين السكان؛ فأصبحت معدلات الاصابة بالآلاف ومعدل الوفيات 
بالعشرات. 
ترى يارا هواري كبيرة محللي شبكة السياسات الفلسطينية أن عدم قدرة السلطة الفلسطينية على شراء وتخزين اللقاحات، اضافة لنظامها المتعثر للرعاية الصحية يشير لعقود من الضرر، ألحقها الاحتلال الاسرائيلي بالبنى التحتية الفلسطينية، قائلة: “هناك مقولة اسرائيلية تتكرر باستمرار إن سبب تعثر نظام الرعاية الصحية الفلسطيني وغيرها مثل التعليم وعدم اداء مهامهما،  عدم كفاءة الانسان الفلسطيني أو ثقافته، وأن الفلسطينيين ليسوا أناسا اذكياء ولا يستطيعون الحكم؛ وهذا ليس حقيقيا اطلاقا. 
لقد استهدف النظام الاسرائيلي بصورة ممنهجة نظام الرعاية الصحية الفلسطيني وأسهم بايقاف تقدمه. 
اضطر الفلسطينيون للاعتماد على المساعدات الخارجية ومنعهم الاحتلال من تحقيق الاكتفاء الذاتي، اضافة لتهاون المجتمع الدولي”. 
وتمضي قائلة إن المثال الأبلغ على هذا هو ما يجري في غزة؛ حيث بات نظام الرعاية الصحية على شفا الانهيار، ولم يستطع التعامل مع استمرار الهجمات والقصف الاسرائيلي منذ سنوات: “لا تستطيع مستشفيات غزة التعامل مع الاصابات والامراض منذ سنوات، واليوم عقّد {كوفيد} الاحوال وجعلها أسوأ بعشرة 
أضعاف”.  
 
التفرقة العنصريَّة الناشطة
ورغم عدم تسلم الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة اللقاحات من الحكومة الاسرائيلية؛ هناك عشرات الآلاف من المستوطنين الاسرائيليين القاطنين بصورة غير شرعية في الضفة يتلقون اللقاحات كل يوم، قرع الناشطون الفلسطينيون ناقوس الخطر بشأن التفاوت الصارخ حول من سيتلقى اللقاح ومن سيحرم منه؛ قائلين إنه أمر لا يقل عن التفرقة 
العنصرية. 
وترى هواري أنه عند الحديث عن قضايا مثل لقاح {كوفيد- 19} يبدو أن هناك انفصالا زائفا بين اسرائيل وفلسطين؛ لكنه في الواقع كيان واحد، تجرى معاملة الناس فيه بشكل غير متساوٍ ضمن الفضاء ذاته. هناك كم كبير من التداخل بين السكان؛ وانعدام تام للتوازن بين القوى. 
وتشير هواري الى عشرات الآلاف من العمالة الفلسطينية اليومية داخل اسرائيل والمستوطنات: “يعتمد الاقتصاد الاسرائيلي على قوة تلك العمالة؛ فهل سيحصل اولئك العمال على اللقاح ايضا؟ واذا لم يجرِ ذلك، فانه سيشكل خطرا على 
اسرائيل.
اننا سكان متشابكون كما هو الحال مع سكان المستعمرات؛ ما يحتم تجهيز اللقاح للجميع، ويجب عدم استثناء الفلسطينيين منه. لقد قالها أحدهم بوضوح: لن نكون آمنين حتى يصل اللقاح لجميع الناس؛ فهذا الفيروس لا يعرف الحدود”. 
بينما تحدث المسؤولون الاسرائيليون عن امكانية توفير بعض اللقاحات للسلطة الفلسطينية اذا اقتضى الأمر؛ حذّرت هواري من أن ينخدع البعض باستعراض اسرائيل الزائف للكرم، قائلة: “نعرف أنهم سيقدمون مثل هذه الخطوة كعرض كبير للاحسان والتعاون الدولي؛ لكنهم لن يحققوا حتى أقل المتطلبات تحت القانون الدولي”.
وشددت المتحدثة على حقيقة أن الفلسطينيين وسط أزمة الجائحة.. “لم يروا الا القليل من النظام الاسرائيلي من حيث التجهيزات والدعم للفلسطينيين وحربهم ضد الفايروس. وحينما جرى التنسيق أخيرا للسماح بوصول تجهيزات وتبرعات دولية، جرت الاشادة بالأمر على انه شكل ممتاز من التعاون؛ في حين أنه الحد الأدنى المطلوب
منهم.
لقد رأينا اسرائيل تتعامل بهذا الاسلوب منذ عقود، ومنها القول إن الدولة العبرية تنال المديح للسماح لمرضى السرطان من غزة بالعلاج في مستشفيات تل أبيب؛ في حين أنهم يفرضون الحصار الذي يمنع مئات سكان غزة من العلاج في المقام الاول. انه التفاف شديد الوضوح على شيء يفترض بهم القيام به لكنهم
لا يفعلون”. 
اضافة للتساؤل حول مصير الفلسطينيين تحت حكم السلطة الفلسطينية في قضية اللقاح، أعلن الناشطون وجماعات حقوق الانسان القلق حول التهميش المحتمل للمجتمعات الفلسطينية داخل اسرائيل من حيث تلقي اللقاح. مع بدء انتشار الجائحة انتقدت مجموعات؛ مثل “عدالة”، الحكومة الاسرائيلية لتهميش المجتمع الفلسطيني في القدس الشرقية؛ حيث كانت مختبرات الكشف عن فيروس كورونا قليلة جدا أو معدومة. 
وترى هواري أن هذا النمط سيتكرر خلال عملية التطعيم. وتمضي قائلة: “من المبكر الحديث عن الامر واللقاح يوزع للتو؛ لكن اذا نظرنا الى التطبيق نجد أن اسرائيل توزع اللقاح بين المستوصفات. ونعلم أن النظام الصحي في القرى الفلسطينية ومدن حدود سنة 1948 فقير، وهناك أعداد أقل من المستوصفات والكوادر الطبية؛ لذا سيكون التوزيع أكثر بطأً في تلك المناطق. سيكون من السهل على الحكومة الاسرائيلية تجاهل الموضوع والقول إن جميع المواطنين الاسرائيليين يعاملون بالتساوي. 
ولكن اذا نظرنا للجغرافيا، سنرى أن تلك التجمعات الفلسطينية مهملة، في ما يتعلق بالمنشآت الصحية والمستوصفات والتجهيزات الاساسية الاخرى”. 
 
فلسطين وجنوب العالم
مع بدء دول عديدة حول العالم (ومنها اسرائيل) توزيع جرعات اللقاح بين عموم مواطنيها؛ تُرِكت دول مثل فلسطين وغيرها من دول “جنوب العالم” جانبا. 
بدأت الدول الغنية بتكديس جرعات الأنواع الواعدة حتى قبل أن يصل اللقاح الى الأسواق. ووفقا لتقرير جهات مثل “منظمة العفو الدولية” و”أوكسفام” فهناك تقديرات أن الدول الغنية، رغم كونها موطنا لنحو 14 بالمئة فقط من سكان العالم؛ اشترت بالفعل نحو 54 بالمئة من مخزون 
اللقاح العالمي الكلي من الانواع المبشرة. 
قالت منظمة العفو الدولية انه في غضون شهور قليلة ستكون الدول الغنية، قد اشترت كميات من جرعات اللقاح تكفي لتلقيح جميع سكانها ثلاث مرات؛ بينما ستتمكن نحو سبعين بالمئة من الدول الفقيرة من تلقيح واحد من كل عشرة مواطنين. 
تقول هواري: “ما يحدث دوليا يعرض اللا مساواة الهيكلية الموجودة عالميا؛ فمناطق مثل غزة (حيث يصعب حتى تأمين متطلبات التباعد الصحي والاجتماعي الأساسية)؛ يجب أن تحظى بالأولوية لمنع انتشار الفيروس.
لكنها بالطبع لن تنال أولوية بسبب مسارات القمع السائدة. كشف فيروس {كوفيد - 19}عن اللا مساواة السائدة عالميا، وقد يكون من شبه المستحيل الحصول على عدالة ومساواة في الشؤون الصحية تحت هذه 
الظروف. 
سيكون تجهيز الفلسطينيين باللقاح فورا خطوة في الاتجاه السليم؛ لأنهم يعيشون حياة قابلة للعطب في مجتمعات ضعيفة. وتلك الاولوية لا يجب أن تقتصر على الفلسطينيين، بل دول الجنوب الاخرى؛ إذ لا يجب أن يقتصر الحصول على الرعاية الصحية على مدى استطاعة الدولة تحمل كلفة تلك 
الرعاية”. 
 
موقع {موندوفيس/
كومون دريمز}