احتجاز الجيش لأونغ سان نتيجة حتميَّة

بانوراما 2021/02/10
...

ترجمة: خالد قاسم
حنا بيشام
كان الناس يتبادلون سرا صور الزعيمة أونغ سان سو كي خلال سنوات حكم الجيش لميانمار، رغم خضوعها للإقامة الجبرية. لكن بعد فوز حزبها التاريخي بانتخابات 2015 وانتخابات العام الماضي بفارق شاسع عن منافسيه، وتعزيز شعبيتها داخليا، تغيرت نظرة العالم الخارجي لها، لأنها عقدت اتفاقا مع الجنرالات ولم تعد تستحق جائزة نوبل للسلام.
عجزت أونغ في النهاية عن حماية شعبها وفشلت باسترضاء قادة الجيش بعد الانقلاب العسكري الأخير الذي أنهى حكم حزبها الرابطة الوطنية للديمقراطية بعد خمس سنوات فقط.
مثلّت أونغ سان نموذجين مختلفين بالكامل لنوعين من الجمهور، المحلي والخارجي، وأثبتت عدم قدرتها على ما توقعه الكثيرون وهو تشكيل توازن سياسي مع الجيش الذي قاسمها السلطة.
خسرت أونغ تأييد الجيش عندما أوقفت المفاوضات مع الجنرال مين أونغ هلاينغ، وخسرت ثقة المجتمع الدولي الذي أيدها لعشرات السنين عندما دافعت عن الجنرالات في تطهيرهم العرقي لمسلمي الروهينغا.
سرعة تفكك النظام الديمقراطي في ميانمار مذهلة، حتى بالنسبة لبلد عانى من نصف قرن تقريبا من الحكم العسكري المباشر وانتشار شائعات الانقلاب قبل وقوعه بأيام. ففي تشرين الثاني الماضي هزم حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية الحزب التابع للجيش، اذ اختار الناخبون حزب أونغ سان لأنه القوة السياسية الوحيدة القادرة على احتواء الجنرالات، ورأى البعض استيعابها للجيش في السنوات الخمس الماضية عملا شبيها بالمصارعة اليابانية السياسية وليس استرضاء له.
 
ديمقراطية عسكرية
احتفظ الجيش بصلاحيات كبيرة في “الديمقراطية المنضبطة” التي صممها بنفسه، لكنه اشتكى من حدوث تزوير واسع النطاق بالانتخابات، وبعث مندوبون عن الجنرال مين أونغ هليانغ يوم 28 كانون الثاني الماضي رسالة الى أونغ سان يأمر فيها بإعادة فرز الأصوات وتأجيل فتح البرلمان.
تزامن انقلاب الجيش مع اعلان حالة طوارئ لمدة عام، مما حطم أية أوهام بأن ميانمار قدمت للعالم أنموذجا حتى وإن كان ناقصا عن صعود الديمقراطية.أسست أونغ سان علاقات وثيقة مع كبار قادة الجيش منذ البدء، وشكّل حزبها تحالفا مع ضباط رفيعي المستوى. وكانت تتناول العشاء عادة مع أحد الضباط السابقين من المجلس العسكري الذي احتجزها منزليا بعد إطلاق سراحها عام 2010.
يقول مؤيدوها إن العلاقة الدافئة كانت أكثر من مجرد رباطة جأش بوذية أو تكتيكات سياسية، فإبنة مؤسس جيش ميانمار الحديثة قالت علانية أنها متعلقة كثيرا بالجيش. ومع تصعيد القوات المسلحة هجومها على مسلمي الروهينغا عام 2017، أظهرت أونغ سان تزامنا عاطفيا مع الجنرالات تجاوز المنفعة السياسية المجردة.يقول محققو الأمم المتحدة إن تلك المذابح وإحراق القرى مما تسبب بهروب ثلاثة أرباع المليون من المسلمين الى بنغلاديش المجاورة، نفذَت بنية الإبادة الجماعية. لكن في محكمة العدل الدولية عام 2019 رفضت أونغ سان بصفتها وزيرة خارجية اعتبار أعمال العنف “صراعا داخليا” وربما استخدم الجيش فيه قوة
 مفرطة.
 
تناغم عنصري
اتصفت نبرة كلامها تجاه الروهينغا بالازدراء، واتبعت نهج الجيش بعدم ذكرهم بالاسم خشية أن تضفي الانسانية على هويتهم. ورغم تقديم أونغ سان الأعذار للجيش على سنوات الاضطهاد، لكن علاقتها مع الجنرال مين أونغ كانت سيئة وفقا لمستشاريها وضباط جيش متقاعدين، وشكلت شعبيتها الكبيرة لدى الأغلبية البوذية تهديدا للجنرالات، فضلا عن عدم تحدثها مع قائد الجيش منذ سنة على الأقل وهو صمت خطير في دولة تتمتع السياسة بصبغة شخصية
 عميقة.
جرت العادة أن يتخلى الجنرال مين أونغ عن قيادة الجيش في 2016، لكنه مدد فترته وتعهد بالتقاعد صيف العام الحالي، ويشار الى أن أفراد أسرته ومساعديه قد تربحوا من سنوات نفوذه الطويلة.
مع اختفاء التواصل بين قائد الجيش وأونغ سان، فقد واجه صعوبة متزايدة بخروجه من الخدمة وبقاء شبكة أتباعه داخل القوات المسلحة، كما قال محللون سياسيون. ونشر الجنرال عبر أتباعه طموحاته السياسية أيضا، اذ روّج له البعض لتولي رئاسة الجمهورية، وهو منصب منعت أونغ سان من توليه دستوريا.
من جهة أخرى يشكك البعض بجدوى فرض عقوبات غربية على قادة الإنقلاب، لأن الصين تبني شبكة اتصالات الجيل الخامس في ميانمار رغم اعتراضات أميركا، وهيمنة بكين على تشييد السدود والأنابيب ومشاريع الطاقة.