السلوك واضطرابات الهوية

اسرة ومجتمع 2021/02/12
...

  لمياء نعمان
 
 
ظن خضير محمود أن ابنه المراهق الصغير سعد  قد مسه الجن، فسلوكه وتصرفاته وحتى صوته بات غريبا، فاستعان بإمرأة من أقربائه لقراءة القرآن على ولده، وبعد أن أنهت قراءتها للقرآن  له وعاينته وتحدثت معه قالت لوالده: ابنك محبوس داخل أنثى حرره إن استطعت، قال ألم يكن الجن في جسد ولدي، قالت إبنك لديه اضطرابات الهوية الجنسية، أو ما يعرف «الجنس الثالث»، اي لديه ميول أنثوية تطغي على شخصيته، ومثل هذه الظواهر هي اشكالية للنفس البشرية، لفقدان الهوية وهي حالة موجودة منذ القدم، وقد استفحلت في هذا الزمان، بسبب توفر الأنترنت وأصدقاء السوء والمخدرات وغياب الرقابة الاجتماعية، والتشخيص المبكر لمثل حالته في تحديد الهوية والميول، يحتاج الى متنفس اجتماعي وأخلاقي وثقافي وفهم للحرية الشخصية وتهيئة ظروف العمل والدراسة والتطلع لمستقبل مشرق، لكي ينشغل المراهق والشاب والشابة بما هو نافع اجتماعيا وسلوكيا «وعليك بمشورة الأطباء لإعطائه الدواء، وحسب التشخيص أو اجراء عملية جراحية لتغير جنسه الى انثى.
شاب آخر دعا والده الشيخ ليرى ماذا حل بولده اعتقادا منه بأنه ممسوس من الجن، بعد رؤية الشيخ له قال للوالد ونصحه: إن ابنك لديه اضطرابات لا ارادية في تحديد هوية جنسه، عليك بتغيير محيطه الاجتماعي وابعاده عن أصدقائه، وأن يكون مع شباب مكافحين ومجتهدين في العمل والدراسة، ويتسمون بالرجولة، ليحاول تقليدهم والابتعاد عن الميول الأنثوية. 
تقليعات
مثل هذه الظاهرة والتي أعقبت ظاهرة «الإيمو» قبل سنوات  للمراهقين، والذين لبسوا السواد وتزينوا بإكسسورات وجماجم وعلامات الموت في ملابسهم جعلتهم، يقدمون أرواحهم للموت من دون سبب،  سوى أنهم كانوا يقلدون تقليعات أوروبية. 
في الآونة الآخيرة   ظهرت على وسائل الاتصال الاجتماعي  فيديوات لمراهقين   وشباب صغار يتجملون بأنواع الملابس والأكسسوارات والتسريحات وبأشكال أنثوية، وتعلو وجوههم مساحيق التجميل، وبطرق ملفتة، ليبهروا من هم من شاكلتهم، فأصبحت لهم تجمعات صغيرة يتشابهون فيها يستمتعون بوقتهم، وهم يخافون بالتأكيد من وجودهم مع الناس، فهم مختلفون بالطبع بسبب أشكالهم المائلة للأنوثة، كما يرتعبون من المضايقات والتحرش والقتل، فصاروا  يلتقون بتجمعات خاصة لهم فقط. 
 
اندماج وانشطة
الدكتور قاسم حسين  صالح رئيس الجمعية النفسية العراقية، يصف هؤلاء بأنهم يولدون في الجسم الخطأ، مما يدفعهم للتصرف على غير طبيعتهم، وهذا اضطراب في الهوية ويأتي بسبب التكوين البايولوجي، ويتبعه خلل في الدماغ، ويعني ان مثل هؤلاء هم مرضى وليس مسؤولين عن تصرفاتهم، اضافة الى الجهل في تنشئتهم واستشراء حالة الجنس الثالث كما يقول، حددته اتاحة الأنترنت للصغار والكبار، اضافة الى وفرة القنوات الأباحية  ووجود من أمثالهم في كل مكان في العالم.
لقد كانت في الماضي مخفية ولا أحد يناقشها ويعلن عنها الا في مجال الطب والعلوم الأحيائية، وعلى المجتمع  أن يهتم بشريحة المراهقين والصغار  وتدمجهم في أنشطة وفعاليات ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية، لغرض امتصاص طاقتهم وتقويم حياتهم الشبابية حتى لا يقعون في فخ الجنس الثالث. 
ويتابع لنا الباحث الاجتماعي ياسر التميمي  حديثه بالقول: يلجأ شباب ومراهقو الجنس الثالث الى الهروب من واقعهم خوفا من ميولهم ونفسهم من المضايقات والتحرش والتنمر، التي تصل للقتل  أحيانا، لذا على الأهل مساعدة أبنائهم في تحديد هويتهم، عن طريق مراجعة الأطباء ومعرفة ما يحتاجونه من استشارة وأدوية أو إجراء عملية جراحية، لتحويل جنسهم وهويتهم وواقعهم الحياتي ليعيشوا من دون مضايقة، وبالتأكيد أن مثل هذه الحالات لا ترضي أصحابها، فهم يكونون قلقين وخائفين، حتى من أنفسهم ومن أقرب الناس لديهم، وهم لا يعرفون ماذا يريدون وكيف يحققون أحلامهم ووضعهم الحياتي، وكيف ستكون لديهم اسرة ويعيشون مثل بقية البشر، ويعزو التميمي قوله بأن الحروب وأوضاع البلد المتلونة بالخراب والموت والهجرة والمعيشة الصعبة لأسرهم وفقدان الأمل، تدفع بالصغير والمراهق الى الضياع او التعبير عن ذواتهم بطرق غريبة، 
في ظل غياب الرعاية 
والتثقيف والتوعية في المدرسة والبيئة والبيت وهذا ما سيفقده ذاته وصفاته وميوله وهويته. 
مثل هذه الظواهر  المنتشرة في العراق والعالم ستفقد الأجيال الصغيرة هويتها، وتصاب بالاحباط والضياع والتغريب عن الذات, وسيلجؤون حتما للأنترنت كوسيلة للولوج لعالم يفهمه ويسهل عليه رؤية أي شيء يحبذه، من دون حدود ومعايير محددة يتعلمونها ويستفادون منها في تغير عقولهم الصغيرة في العلم والابداع والاختراع، ونتمنى من المجتمع والحكومة أن تولي مستقبل صغارنا اهتماما كبيرا،  ونحاول جميعا أن نكسبهم ونرعاهم، ونهيئ الظروف والمناخات المفيدة لزجهم في سوح الدراسة والعمل، وتفريغ همومهم بمزاولة النشاطات الفاعلة في المجتمع ليكونوا شبابا نعتمد عليهم في المستقبل القريب.