مقهى الخرسان والطرشان في كربلاء

ريبورتاج 2021/02/14
...

 علــي لفتــة
 
للكثير من المقاهي رواد محددون، مثلما فيها حكايات متنوعة ومختلفة، ولا ترتكن المقاهي في ترتيب وجودها على تقديم الشاي والقهوة او اللعب بالدومينو والنرد، كما كان سابقاً او حتى شرب الاركيلة، بل هي اصلاً تعد واحدة من المدارس والاماكن التي خرجت منها، وصنعت شخصيات سياسية وثقافية، ولذا هناك مقهى للأدباء وآخر للحزب الفلاني وآخر للنجارين والحدادين، وحتى اصحاب العمل البنائين، اذ يلتقون عصر كل يوم في مقهى لتبادل اخبار العمل، كل هذه المقاهي قد تبدو طبيعية وقد تكون صاخبة جداً، لا تخلو من الجدل والنقاش وربما المعارك الكلامية وحتى الضرب بالايدي او الاسلحة، الا مقهى الخرسان والطرشان، فهو المكان الذي يشهد حركات وهمهمات وصدق انتماء وعلاقات حميمة، تنظر الى تفاصيل حركاتهم، وربما لا تفهم لكنك حين تنظر الى التعابير تدرك حجم الجمال وحب الحياة في معيشتهم ومواجهتهم الصعاب اليومية التي يلاقونها سواء بالإهمال او الترحيب.
مقاهٍ قديمة
ربما مقاهي الخرسان والطرشان تعد ايضاً من المقاهي القديمة، وربما بقدم انشائها ايضا وتنوعه، لان لغتهم خاصة تستدعي اللقاء بينهم للتذاكر والمعرفة والعلم وتمضية الوقت وادامة العلاقات الاجتماعية، ويقول الباحث صاحب الشريفي "ان للخرسان لغة خاصة تحكى بالأيدي وتسمع بالعيون، فهم يتحدثون ويتسامرون وينكتون ويمثلون ويغنون ويرقصون كبقية البشر، وهو الامر الذي يساعدهم في الحد من الضغوط الداخلية والنفسية التي تصيبهم بسبب ما يعانونه من عدم النطق والسمع، لذا تراهم يلجؤون إلى أمور تساعدهم في التخلص مما هم فيه من قلق وخوف واكتئاب، والمقهى احدى طرق العلاج ايضا بالنسبة لهم، لأنه ينظم حياتهم ويجعلها طبيعية في أوقات قضاء فراغهم من دون معاناة والم وحسرة".
 
التأسيس والمكان
يشير الشريفي الى أن المصادر تقول "ان اول مقهى لهذه الشريحة في محافظة كربلاء المقدسة افتتح في نهاية الخمسينيات أو أوائل ستينيات القرن العشرين، وكان أول مقهى يقع في منطقة باب الخان (منطقة الفسحة) مقابل فتحة باب خروج علوة خان المخضر، وهو مجاور لمحل الباسكلچي عباس الفشلان، وكانت من الجهة الثانية دار تعود الى بيت الطيار مقابل محل عبد الحسين الحلاق ومعمل (عباس چخميخ) لصناعة الاحذية".
ويوضح "ان المنطقة سميت بالفسحة، لأنها تقع بين أربعة فروع، الفرع الأول يؤدي إلى شارع الدخانية وفيه الباب الأول للدخول إلى خان علوة المخضر، والفرع الثاني يؤدي إلى شارع العباس (ع)، وفيه الباب الثاني للخروج من خان علوة المخضر الذي انتقل اليه مقهى الخرسان في المرة الثانية بسبعينيات القرن الماضي، فهو مكان أوسع من المكان الأول وبالشارع نفسه، بين محل محمود عباس ومحل عباس الاعمى بائع الطيارات الورقية وبجوار فتحة باب خروج علوة المخضر، والمقهى هو من ضمن خان المخضر، والفرع الثالث يؤدي إلى سوق باب الخان، اما الفرع الرابع فهو الآخر يؤدي الى شارع العباس".
 ويبين الشريفي أن "صاحب المقهى اسمه أبو حساني، وكان يسكن في المنطقة نفسها وداره بجوار محل عباس عبادة لعمل المفاتيح".
 
طرائف
ولفت الباحث الى أن "المصادر تقول ايضا ان مقهى آخر للخرسان يقع بالقرب من فلكة حي العامل في كربلاء، وهناك مقاهٍ أخرى ايضا".
ويورد بعضاً من الطرائف التي تحصل في هذه المقاهي، ومنها كما يذكر "ان مجموعة من الخرسان والطرشان، بينهم رجل ستيني العمر يعمل بستانياً وكان بستانه يقع قرب منطقة الغلطاوية على طريق الحسينية، فكان هذا الرجل يجلب حاصله من الحمضيات إلى الخان، ثم يجلس في هذا المقهى ينتظر دوره لتسلم مبلغ حاصله المباع وله أصحاب من الخرسان كان يجالسهم ويبادلهم الاحاديث (الإشارات) التي يفهمونها، وهم أيضاً أصحاب مهن حرة، منهم الكهربائي والنجار والصباغ والحداد".
ومن المفارقات الطريفة التي كانت تحصل في المقهى، عندما يأتي الفلاح المستطرق جالباً حاصله إلى خان المخضر لغرض بيعه، فكان يجلس في هذا المقهى للاستراحة او انتظار دوره لتسليم بضاعته، فيفاجأ عندما يسلم على الجالسين في المقهى ولا يلقى الرد، عندها يصيح بهم بصوت عالٍ (انتم اشبيكم ماتردون السلام يظهر ما تعرفون الاصول)، لأنه يعتبرها حالة من الاستهجان والاهانة له، وقتها يتدخل صاحب المقهى ويخبره بحقيقة امرهم بانهم (خرسان وطرشان). 
 
لقاء تلفزيوني
وذكر الشريفي " تؤكد المصادر انه في احدى المرات ارادت إحدى المحطات التلفزيونية اجراء لقاء مع هذه الشريحة في احد المقاهي، وكان من بينهم من ارادوا طرح قابلياتهم، ومنها اطلاق النكتة التي يفهمها الجميع، وكانوا يضحكون بشكل متفاعل، وقد طلب منهم الاعلامي ان كان من بينهم احد يستطيع الغناء، وبعد أن ألح عليه أصدقاؤه غنى وكان صوته متميزا، لكن لا احد يفهمه الا الشريحة ذاتها، ويبين ان هذه الشريحة ربما لا تجد الدعم الكافي لكنهم يسيرون حياتهم بطريقتهم الخاصة، ولهم  فريق لكرة قدم، وكذلك فريق للعبة المحيبس بأيام رمضان، وكان يرأسهم شخص من الخرسان اسمه عبد".