الخال أبو البنات.. عبد الرحمن الأبنودي

منصة 2021/02/14
...

  عفاف مطر
 
بعد إكمال دراسته الثانويَّة تعين في المحكمة مع أمل دنقل، وذهبا سويةً الى للمشاركة في الحرب مع الفدائيين بعد العدوان الثلاثي على مصر، لكنَّ قوات الجيش أخذت سلاحيهما منهما، وطلبوا منهما العودة، ذلك أنَّ الاستعدادات لم تنته حتى الآن، فرجعا حزينين، في اليوم ذاته التقيا مساءً في أحد المقاهي، وكان كلٌ منهما قد كتب قصيدة باللغة العربيَّة الفصحى، بعد تردد وسؤال وجواب بين الاثنين، اعترف كل منهما لصاحبه بأنه كتب قصيدة، وكانت هذه لحظة ولادة هذين الشاعرين. 
الابنودي كان يعمل كاتباً لقاضي المحكمة، أما أمل فكان يعمل مُحضرا في المحكمة ذاتها. عانى الاثنان من كره الفلاحين لهما، فالأول كان يثبت التحقيقات التي قد تُدخِل بعض الفلاحين في مشكلات قانونيَّة، والثاني كان يصادر أملاك الفلاحين الذين يعجزون عن سداد ديونهم، بالطبع، لم يتحملا كره الفلاحين، فاستقالا من المحكمة وشدّا رحالهما الى القاهرة، فلمع نجمهما. كتب الأبنودي أول ديوان له تحت عنوان (الأرض والعيال) وقد أحدث ضجة في الوسط الأدبي والثقافي القاهري. يقول جمال غيطاني عن الأبنودي بعد قراءته هذا الديوان: إنَّ الأبنودي أعظم وأكبر شاعر مصري منذ أيام الفراعنة. التقى الأبنودي في القاهرة بليغ حمدي، والمطرب محمد رشدي، لُيحدث هزة – حسب وصف النقاد- في الأغنية المصرية، ولفتت قصائده التي غناها رشدي نظر الفنان عبد الحليم حافظ، ولأنَّ الأبنودي رجلٌ صعيدي صعب المراس، ما كان من حليم إلا أنْ يرسل اثنين من العاملين معه على هيئة رجال مباحث أمن الدولة، ليأخذوه بشكلٍ غامضٍ من استوديو محمد فوزي، حيث كان يسجل مع بليغ حمدي إحدى أغاني محمد رشدي التي كتب كلماتها الأبنودي، وأخذاه الى شقة عبد الحليم وكان لقاءهما الأول.
في هذه الفترة كان قد صدر الديوان الثاني للأبنودي (الزحمة)، وكان من ضمن القصائد التي تضمنها الديوان قصيدة، (عدى النهار)، لحنها بليغ حمدي وغناها عبد الحليم، وهذه الأغنية يعدّها الكثير من النقاد من أهم أغاني حليم؛ ثم شارك في كتابة حوار وأغاني فيلم (شيء من الخوف) بطولة شادية ومحمود مرسي، ويعدّ هذا الفيلم من أعظم نتاجات السينما المصريَّة، ومن ضمن الفيلم كانت أغنية (ياعيني ع الولد) التي صارت أيقونة غنائيَّة مهمة، استعملت في ما بعد في العديد من المسلسلات والأفلام.
الملفت للنظر في سيرة الأبنودي ذكاؤه الشديد وحساسيته المفرطة، ففي الوقت الذي كان الكل يتغنى بعظمة عبد الناصر وبناء السد العالي الذي غنى له كبار مطربي مصر حينها، إلا أنَّ الأبنودي كتب قصيدة (حراجي) التي تحكي قصة إمرأة صعيديَّة تصلها لأول مرة في حياتها رسالة (مكتوب) هذه القصيدة تعبر عن معانة المرأة والأسرة عموماً في غياب الأب، فالكل يعلم أنَّ الرجال كانوا يعملون في السد بنظام السخرة، ومن كان يرفض، كان يُتهم بالعمالة الخارجيَّة، وقد مات مئات من العمال لشدة التعب والإجهاد والجوع.
في 1973 بعد نصر اكتوبر في عهد السادات كتب قصيدة (صباح الخير ياسينا) وغناها عبد الحليم، وتعدّ من أشهر الأغاني التي اشتهرت في تلك الفترة. الأبنودي عبر مشواره الطويل، كان يشعر بالهوة الكبيرة بين الكتّاب والجمهور، إذ صرح قائلاً: إنَّ الكتّاب المصريين جنرالات بلا جنود، وهم يتكئون على عُصِي من قطن، حتى جاءت ثورة 25 يناير/2011، فغيّر الشباب –حسب رأيه- هذا المفهوم ورَدَم الهوة. كتب الأبنودي طوال مشواره الشعري، قصائد عن الفلاحين والعمال والمهمشين والمقهورين والوطن والثورة، واحتفل بالمرأة لا سيّما الفلاحة والصعيديَّة أيما احتفال. كتب الأبنودي كتابه (أيامي الحلوة) وهو أشبه بالمذكرات، ونجاح هذه المذكرات وصاحبها، شجع إحدى القنوات الفضائية على إنتاج برنامج حواري معه امتد لستين حلقة، مع الإعلامية نهال كمال –زوجته- تعرض الابنودي لمرض في الرئة لكثرة التدخين، فسافر الى الخارج للعلاج، وحين عاد، اشترى مزرعة صغيرة، وبنى فيها بيتاً ومقبرة، حتى توفي في 21 أبريل/ 2015، وفي آخر تسجيل له يقول: أنا على صداقة مع الموت، ونبرة الحزن التي تسمعونها الآن ليس خوفاً من الموت، بل حزناً على أحبابي الذي سيحزنون على فراقي.
 
إذا جاك الموت يا وليدي....موت على طول..
اللي اتخطفوا فضلوا أحباب... صاحيين في القلب
كإن ماحدش غاب.....واللي ماتوا حتة حتة
ونشفوا وهم حيين..حتى سلامو عليكم مش بتعدي
من بره الأعتاب ...أول مايجيك الموت.. افتح..
أول ماينادي عليك.. إجلح.....إنت الكسبان..
إوعى تحسبها حساب..بلا واد.. بلا بت..
ده زمن يوم مايصدق.. كداب..
ولأنَّ لقب الأبنودي (الخال) وعلى الرغم من أنَّ العم بمثابة الأب، بينما الخال بمثابة الصديق، إلا أنَّ الخال الأبنودي جمع بين هاتين القاعدتين، فكان أباً وصديقاً لقرائه أجمعين.
بعد إكمال دراسته الثانويَّة تعين في المحكمة مع أمل دنقل، وذهبا سويةً الى للمشاركة في الحرب مع الفدائيين بعد العدوان الثلاثي على مصر، لكنَّ قوات الجيش أخذت سلاحيهما منهما، وطلبوا منهما العودة، ذلك أنَّ الاستعدادات لم تنته حتى الآن، فرجعا حزينين، في اليوم ذاته التقيا مساءً في أحد المقاهي، وكان كلٌ منهما قد كتب قصيدة باللغة العربيَّة الفصحى، بعد تردد وسؤال وجواب بين الاثنين، اعترف كل منهما لصاحبه بأنه كتب قصيدة، وكانت هذه لحظة ولادة هذين الشاعرين. 
الابنودي كان يعمل كاتباً لقاضي المحكمة، أما أمل فكان يعمل مُحضرا في المحكمة ذاتها. عانى الاثنان من كره الفلاحين لهما، فالأول كان يثبت التحقيقات التي قد تُدخِل بعض الفلاحين في مشكلات قانونيَّة، والثاني كان يصادر أملاك الفلاحين الذين يعجزون عن سداد ديونهم، بالطبع، لم يتحملا كره الفلاحين، فاستقالا من المحكمة وشدّا رحالهما الى القاهرة، فلمع نجمهما. كتب الأبنودي أول ديوان له تحت عنوان (الأرض والعيال) وقد أحدث ضجة في الوسط الأدبي والثقافي القاهري. يقول جمال غيطاني عن الأبنودي بعد قراءته هذا الديوان: إنَّ الأبنودي أعظم وأكبر شاعر مصري منذ أيام الفراعنة. التقى الأبنودي في القاهرة بليغ حمدي، والمطرب محمد رشدي، لُيحدث هزة – حسب وصف النقاد- في الأغنية المصرية، ولفتت قصائده التي غناها رشدي نظر الفنان عبد الحليم حافظ، ولأنَّ الأبنودي رجلٌ صعيدي صعب المراس، ما كان من حليم إلا أنْ يرسل اثنين من العاملين معه على هيئة رجال مباحث أمن الدولة، ليأخذوه بشكلٍ غامضٍ من استوديو محمد فوزي، حيث كان يسجل مع بليغ حمدي إحدى أغاني محمد رشدي التي كتب كلماتها الأبنودي، وأخذاه الى شقة عبد الحليم وكان لقاءهما الأول.
في هذه الفترة كان قد صدر الديوان الثاني للأبنودي (الزحمة)، وكان من ضمن القصائد التي تضمنها الديوان قصيدة، (عدى النهار)، لحنها بليغ حمدي وغناها عبد الحليم، وهذه الأغنية يعدّها الكثير من النقاد من أهم أغاني حليم؛ ثم شارك في كتابة حوار وأغاني فيلم (شيء من الخوف) بطولة شادية ومحمود مرسي، ويعدّ هذا الفيلم من أعظم نتاجات السينما المصريَّة، ومن ضمن الفيلم كانت أغنية (ياعيني ع الولد) التي صارت أيقونة غنائيَّة مهمة، استعملت في ما بعد في العديد من المسلسلات والأفلام.
الملفت للنظر في سيرة الأبنودي ذكاؤه الشديد وحساسيته المفرطة، ففي الوقت الذي كان الكل يتغنى بعظمة عبد الناصر وبناء السد العالي الذي غنى له كبار مطربي مصر حينها، إلا أنَّ الأبنودي كتب قصيدة (حراجي) التي تحكي قصة إمرأة صعيديَّة تصلها لأول مرة في حياتها رسالة (مكتوب) هذه القصيدة تعبر عن معانة المرأة والأسرة عموماً في غياب الأب، فالكل يعلم أنَّ الرجال كانوا يعملون في السد بنظام السخرة، ومن كان يرفض، كان يُتهم بالعمالة الخارجيَّة، وقد مات مئات من العمال لشدة التعب والإجهاد والجوع.
في 1973 بعد نصر اكتوبر في عهد السادات كتب قصيدة (صباح الخير ياسينا) وغناها عبد الحليم، وتعدّ من أشهر الأغاني التي اشتهرت في تلك الفترة. الأبنودي عبر مشواره الطويل، كان يشعر بالهوة الكبيرة بين الكتّاب والجمهور، إذ صرح قائلاً: إنَّ الكتّاب المصريين جنرالات بلا جنود، وهم يتكئون على عُصِي من قطن، حتى جاءت ثورة 25 يناير/2011، فغيّر الشباب –حسب رأيه- هذا المفهوم ورَدَم الهوة. كتب الأبنودي طوال مشواره الشعري، قصائد عن الفلاحين والعمال والمهمشين والمقهورين والوطن والثورة، واحتفل بالمرأة لا سيّما الفلاحة والصعيديَّة أيما احتفال. كتب الأبنودي كتابه (أيامي الحلوة) وهو أشبه بالمذكرات، ونجاح هذه المذكرات وصاحبها، شجع إحدى القنوات الفضائية على إنتاج برنامج حواري معه امتد لستين حلقة، مع الإعلامية نهال كمال –زوجته- تعرض الابنودي لمرض في الرئة لكثرة التدخين، فسافر الى الخارج للعلاج، وحين عاد، اشترى مزرعة صغيرة، وبنى فيها بيتاً ومقبرة، حتى توفي في 21 أبريل/ 2015، وفي آخر تسجيل له يقول: أنا على صداقة مع الموت، ونبرة الحزن التي تسمعونها الآن ليس خوفاً من الموت، بل حزناً على أحبابي الذي سيحزنون على فراقي.
 
إذا جاك الموت يا وليدي....موت على طول..
اللي اتخطفوا فضلوا أحباب... صاحيين في القلب
كإن ماحدش غاب.....واللي ماتوا حتة حتة
ونشفوا وهم حيين..حتى سلامو عليكم مش بتعدي
من بره الأعتاب ...أول مايجيك الموت.. افتح..
أول ماينادي عليك.. إجلح.....إنت الكسبان..
إوعى تحسبها حساب..بلا واد.. بلا بت..
ده زمن يوم مايصدق.. كداب..
ولأنَّ لقب الأبنودي (الخال) وعلى الرغم من أنَّ العم بمثابة الأب، بينما الخال بمثابة الصديق، إلا أنَّ الخال الأبنودي جمع بين هاتين القاعدتين، فكان أباً وصديقاً لقرائه أجمعين.