«عمتنا النخلة في خطر} الأقمار الصناعية تكشف حجم الكارثة

ريبورتاج 2021/02/15
...

  علي غني

 أعترف أن ما شاهدته من صور التقطتها الاقمار الصناعية لإصابة النخيل في العراق، خلال ندوة اقامتها كلية العلوم بجامعة بغداد عن مراقبة النخيل باستخدام صور الاقمار الصناعية وتقنيات التحسس النائي، أصابتني بالصدمة، وعرفت أن عمتنا النخلة في خطر، وشاهدت صورا مفجعة لبساتين تتآكل، واصناف تمور تتضاءل، ونخيل تنحني وتموت وهي واقفة، فبعدما كنا قديماً نتصدر دول العالم بصادراتنا من التمور أصبحنا في المركز الرابع بعد (مصر وإيران والسعودية)، كل هذه المعلومات جاءت في محاضرة الأستاذ الدكتور صالح مهدي علي/ الأستاذ المتمرس في وحدة الاستشعار عن بعد البحثية في موسمها الثقافي.

من المستفيد؟
من المسؤول عن هذا الخراب، وما المعالجات؟، ومن المستفيد، كل هذه التساؤلات المشروعة تحتاج الى اجابة، لكن الحقائق المدعومة بالإحصائيات التي وردت في هذه المحاضرة القيمة للأستاذ صالح مهدي/ عميد كلية العلوم الأسبق وعضو لجنة الاستخدامات السلمية لتقنيات الفضاء، قد دفعتنا للتوغل في اعماق التاريخ بصحبته، وهو العارف ببواطن الامور التي جعلتنا نتحسر على ايام زمان، اذ كان العراق في طليعة العالم من حيث عدد اشجار النخيل ونوعية وكمية الانتاج، وسرعان ما قلت للبروفيسور (صالح)، ما علاقة واهمية تقنيات التحسس النائي بزراعة النخيل؟، فاجابني: "يمكن من خلاله عمل احصائيات للنخيل عن طريق الصور لمناطق زراعة النخيل، كما يمكن الاستفادة منه في الكشف عن مناطق الاصابة بالحشرات والآفات وبالتالي يمكن مكافحتها بالسرعة المطلوبة". 
 
ثلاثون مليون نخلة
تشير الإحصائيات التي اجريت في السبعينيات من القرن الماضي والكلام لصالح الى ان عدد اشجار النخيل في العراق كان نحو(30 - 40) مليون نخلة، لكن الحروب والظروف الصعبة والحصار الاقتصادي في التسعينيات من القرن الماضي تسببت في انخفاض العدد الى (16) مليون نخلة بحسب احصاء تقريبي اجري عام 2002. 
وتابع "واستمر تناقص عدد النخيل حتى وصل الى حوالي (9.5) مليون نخلة منتجة فقط في جميع انحاء البلاد، وفقا لإحصاء عام (2018)، ووزارة الزراعة تبرر هذا التردي وتعزوسببه للحروب وانخفاض مناسيب المياه واتساع ظاهرة تجريف البساتين، فانتاج العراق عام (2003) كان (866 الف طن) حسب احصائيات منظمة الاغذية والزراعة، اما بعد عام 2003 وبالاخص في عام 2012 وصل إلى(650 الف طن)".
ونوه البروفيسور مهدي بأن "العامل الاهم هو عدم رش المبيدات بواسطة الطائرات او المرشة اليدوية، ما يؤدي الى ارتفاع الاصابة بالامراض وخصوصا الدوباس والحميرة، اللتين تضران النخلة والتمور بنحو كبير".
وعرض الباحث البروفيسور صالح مهدي لوحة تشير الى تبوئ مصر المركز الاول بواقع (1.084.529) طناً سنويا، ثم تليها ايران بواقع (947.809) اطنان سنويا و تليها المملكة العربية السعودية بواقع (836.983) طنا سنويا ثم يليها العراق بواقع (675.440) طناً للتمور العراقية. 
لم تنل الرعاية
المستشار دريد محمود يحيى العنزي باحث وخبير اقتصادي وصف هذه الشجرة بالقديمة وهو ما يميزها عن بقية الاشجار، وهي الوحيدة التي لاتحمل اسم ثمرتها، وانواعها بالمئات، ومن تنوع ثمرتها تنوع انتاجها، وهي من الاشجار الوحيدة او القليلة التي تستخدم اوراقها للصناعات، واوراقها لها اسم خاص هو السعف, واوراقها حامية للاشجار المزروعة تحتها، وعمرها مديد وطويل، وعثر على ثمرها التمر مخزوناًقبل 5 آلاف سنة وهوصالح للاكل. 
وتكمن معاناتها، والكلام للعنزي"بانها لم تنل الرعاية الكاملة، رغم انها كانت مقدسة, عانت من الاهمال لقرون مع تخلف الحضارة في وادي الرافدين، وان اهم ما تعانيه من مشكلات هي الحروب، والملوحة، والتمدد الحضاري، وسوء الاعتناء بها، وتأثير حروب دول الجوار, وسوء استغلال مشتقات انتاجها وسوء تصنيعها والامراض، وكل فقرة لها قصتها، فالحروب دمرت اكثر من النصف مجتمعة مع المشكلات الاخرى كالملوحة، والنخلة من المزروعات التي تحب المياه العذبة، والملوحة تأتت من رداءة وسائل الري وشح المياه". 
واضاف "التمدد الحضاري سمة مميزة للمجتمعات، اذ اتت على مزارعها التمددات العمرانية، ولم يحصل ان استزرعت بدل المجرفة, بسبب طول عمرها الذي تحتاجه للانتاج والمردود المالي، وكذلك سوء الاعتناء بها من الفلاحين ومن الجهات المعنية وعدم وجود مستلزمات حمايتها من الامراض القديمة والمستحدثة، نتيجة دخول الادوية والمبيدات الزراعية، كما انها تفتقر الى الصناعة والتعبئة والتغليف والقوانين الداعمة للتصدير والسموحات لذلك، وتشجيع مفرداتها غير الكافي ادى الى تدهور الاعتناء بها، واخيرا ارتفاع اسعار الوقود لتشغيل المضخات اسهم بتردي الانتاج والانتاجية". 
 
مسلة حمورابي
بينما وصفت الدكتورة نهلة حمودي حسين رئيسة وحدة ابحاث النخيل والتمور في كلية علوم الهندسة الزراعية بجامعة بغداد، زراعة النخيل في العراق بانها من اقدم الزراعات منذ آلاف السنين"فقد كان أول ظهور موثق لشجرة نخيل  في العالم القديم بمدينة اريدو التاريخية الواقعة في جنوبي العراق (حوالي 4000 ق.م) والتي كانت منطقة رئيسة لزراعة النخيل" .
وتابعت "تحتوي مسلة حمورابي (حوالي 1754 ق.م) على سبعة قوانين متعلقة بالنخيل، منها قانون يفرض غرامات كبيرة على من يقطع نخلة، وبلغ عدد الاصناف 627 صنفًا في العراق من اصل 2000 صنف في العالم". 
 
فينيسيا الشرق
وعادت الدكتورة نهلة للحديث بحسرة "يتميز إنتاج التمور واعداد النخيل بالعراق بالتذبذب من فترة إلى اخرى، فبعد ان بلغ عدد اشجار النخيل في العراق حوالي 32.36 مليون نخلة في عام 1952 انخفض هذا العدد إلى 16.25 مليون نخلة في عام 1994، كما ان وزارة التخطيط أعلنت في 26 /6 /2014 تراجع أعداد النخيل في العراق إلى 16 مليون نخلة أي إلى أكثر من النصف، وفي البصرة التي كانت تسمى يوماً  "فينيسيا الشرق" اذ كانت موطنا لـ ( 13) مليون نخلة انخفض هذا العدد حسب احصائيات عام 2017 إلى 1.2 مليون نخلة فقط، وأصبحت المشاريع السكنية ورمال الصحراء تتوسع يوما بعد يوم لتتحول الى قطع سكنية". 
 
بدائل اقتصادية
كل هذه العوامل مجتمعة والكلام للدكتورة نهلة، وانا اتفق معها تماما، ادت الى تناقص اعداد النخيل وانتاج التمور، وبينما يواجه العراق أزمة اقتصادية مُدمرة فاقمها انخفاض أسعار النفط وسط أزمة فيروس كورونا، لابد من البحث عن بدائل كتصدير التمور للنهوض بالاقتصاد العراقي من جديد، لذا تستوجب المرحلة اعادة التخطيط للثروة الزراعية وبالأخص اشجار النخيل، لكونها تمتلك خصوصية تلائم العراق وتعود بفوائد اقتصادية عديدة، منها توفير فرص العمل في ظل اقتصاد فاشل يعتمد على ما يستخرج من باطن الارض، فضلا عن زيادة اﻻسعار للتمور المحلية بما يتناسب مع تكاليف الإنتاج ومنع استيراد التمور من خارج العراق، ومنع قطع أشجار النخيل والتشجيع على إنشاء بساتين النخيل من خلال توفير القروض التي كانت تعطى من قبل وزارة الزراعة، والتوسع في إنتاج اعداد كبيرة من النخيل من خلال استخدام تقانة زراعة اﻻنسجة ودعم هذه التقانة ودعم البحوث والدراسات التي تهتم بالنخيل.