أ.د. باسم الاعسم
في المواقف الثقال تمتحن الرجال فتطفو على السطح الذوات بهيئة أفعالٍ جليلة تسر الناظرين من فرط عظمتها وجدواها، والزمن القياسي المصاحب لإنجازها في ظرفٍ عسيرٍ وخطيرٍ، فتكتسب تلكم الأفعال خلودها وحضورها البهي في ذاكرة التاريخ والناس والوطن.
وثمة أناسٌ مختلفون في أفعالهم وأفكارهم وإنجازاتهم قد خلدهم التاريخ في مجالات الأدب والفن والسياسة والطب والفلك.. إلخ.
وعند الإقرار بفرادة المنجز الفني الذي قدمه الفنان المخرج أحمد حسن موسى مدير دائرة السينما والمسرح الذي أثث وبنى وعمر ورمم المسرح الوطني ومسرح الرشيد ومسرح آشور، في زمن قياسي عجيب، يحق لنا أنْ نقول: إنَّ تسنم منصب مدير دائرة السينما والمسرح من قبله كان امتحاناً عسيراً وصعباً لكنه نجح بامتياز على الرغم من الكوابح المالية والصحية والأمنية، لكنه من الحالمين بغدٍ جميلٍ تفتح فيه ستائر المسرح لتضيء خطى المتلقين المتلهفين الذين حالت دون حضورهم جائحة كورونا التي أغلقت أبواب المسارح بوجوه روادها، لكن أحمد حسن موسى فتحتها بقوة إرادته ومن معه.
إنَّ ما حدث في دائرة السينما والمسرح التي وصفت من قبل وزارة المالية بأنها شركة خاسرة وتعمل بحسب نظام التمويل الذاتي، يمثل معجزة قل نظيرها، إذ يترجل فتية آمنوا بالمسرح ورسالته والعراق وأصالته يتقدمهم فدائي الاعمار الفنان أحمد حسن موسى وطاقمه الفني والإداري والتقني والهندسي، فيستحيل المرأب والنفايات والقاعات المظلمة والسقوف المتدلية والجدران المتصدعة مسارح تليق بالفن والفنانين من دون أجور أو مكافآت أو أموال ترهق ميزانية الدولة.
إنّ عظمة حملة إعمار المسارح وبتلك المبالغ الزهيدة تؤشر للجميع عصامية ومبدئية ونزاهة الفنان العراقي الذي لا يعمل لمنصب أو جاه أو مال، بل يعمل للناس والفن والوطن، ولكي يسعد جميع الفنانين على اختلاف تخصصاتهم فتتاح لهم فرص العمل من دون كوابح أو إملاءات كما أعلن ذلك الفنان أحمد حسن موسى مراراً ، وذلك هو الإيثار بأجلى صوره.
إنها فرصة سانحة للمخرجين أنْ يستنفروا طاقاتهم الإبداعيَّة لتقديم العروض المسرحية والمهرجانات المتنوعة.
كما أنها فرصة مناسبة أمام السيد وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم في أنْ يطالب وزارة المالية بإلغاء نظام التمويل الذاتي عن دائرة السينما والمسرح إكراماً للثقافة والفن ودعماً للفنانين والنتاجات الفنيَّة، لأنها دائرة منتجة للثقافة والفن والفكر والمسرح والفنون بأنواعها، الى جانب كونها منبراً إعلامياً مؤثراً ومدوياً، بل هي سفير العراق في العالم.
وأنا شخصياً أدعو مخلصاً وزارة الثقافة أنْ تقيم حفلاً خاصاً بهذه المناسبة، فتكرم وتشكر جميع الفنانين الذين قدموا هذا المنجز الفني الوطني والثقافي الكبير الذي لا يقل أهمية عن نصب الحرية ببعده الرمزي والوطني، ولكي يشعر الفنان بتقدير المؤسسات الرسمية لجهوده، فالمسرح وطن وحضارة والفنان رمز وطني وإبداعي، ودعمهما استحقاقٌ طبيعي لتنمية الثقافة وإدامة التواصل وإشاعة السلم والأمان، لأنَّ تزايد أعداد المسارح في البلاد يشيع الأمن والسلم والأمان، فيرتاد الناس المسارح من دون خوف مثلما هي الحياة الطبيعية التي كانت من دون منغصات.
إنَّ المسرح لم يشيَّد للترف أو تزجية الوقت، بل لتثقيف الناس وإمتاعهم وتبصيرهم بقضاياهم المصيريَّة بفضل رجالات المسرح الساهرين على سعادة الناس وبناء الوطن عبر الثقافة والفن.