عُطلٌ ومشاريع!

منصة 2021/02/16
...

جواد علي كسار
يتذكر من يعود لمقدّمة كتاب الشهيد السيد محمد باقر الصدر «فدك في التاريخ» ما ثبّته في المقدّمة من أنه اغتنم عطلة من عطل الدراسة في الحوزة العلمية بمدينة النجف الأشرف، توفر من خلالها على دراسة مشكلة كبرى في التاريخ الإسلامي ذات مساس بالحكم والتشريع والتاريخ والمعارضة، فجاءت الحصيلة خميرة تحوّلت في ما بعد لكتاب هو: (فدك في التاريخ).
بديهي ليس السيد الصدر وحيداً في هذا المضمار، بل ثمّ أمثلة متعدّدة نسوق بعضها على عجل. فمن الكتب الرائعة التي يلتذّ الإنسان بقراءتها، وهي تسهم بحق في بناء وعيه، كتاب الشيخ محمد حسين الزين «الشيعة في التاريخ». فهذا الكتاب المحكم على وجازته؛ المملوء على قلة صفحاته، كان ثمرة كما يُخبر المؤلف للعطل الأسبوعيَّة في الحوزة العلمية (الخميس والجمعة) التي راح يغتنمها لمراجعة المصادر وإعداد الكتاب، حتى تمّ الفراغ منه من خلال هذا الأسلوب في استثمار الوقت.
وقد جاء الكتاب يُغني عن قراءة موسوعة كاملة في التاريخ؛ مُلماً بما تقوله المصادر الأساسية في التاريخ والفرق وأحياناً كتب الكلام. 
ومع كلّ ما للكتاب من مزايا وخصال فإنَّ الذي يعنينا منه، أنَّ مؤلفه اغتنم لإنجازه العطل الأسبوعية وأيام الفراغ الأخرى في الحوزة، فقدّم لآخرته ذخراً ثميناً، وللجيل الذي عاصره وللأجيال من بعده زاداً فكرياً خصباً.
على غرار ما فعله الصدر والزين في استثمار العطل لإنتاج محاولات فكرية غنية، أذكر أنَّ الراحل أسد حيدر ذكر الشيء نفسه عن كتابه القيّم «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة». إذ كانت المطالعة في أوقات التعطيل وتصفّح مقدّمة ابن خلدون هي التي قدحت في ذهنه فكرة تأليف الكتاب الذي تحوّل إلى موسوعة مهمّة في بابه.
وقد حدّثني الشهيد عز الدين سليم أنَّه تفرّغ في إجازة أسبوع كامل توفّرت له على إنجاز كراسة عن حياة الإمام الجواد سلام الله عليه، أخذت طريقها للطبع في ما بعد، وأنه استثمر فراغاً آخر لتحضير مواد أوليَّة لمشروع كتابة عن الإدارة في الإسلام.
ومن حياة الشيخ محمد جواد مغنية الكثير من الأمثلة والشواهد على ما نحن فيه، قبل أنْ يتفرّغ للكتابة وينصرف إليها كلياً بعد أن تقاعد من الخدمة في سلك القضاء الشرعي في لبنان.
ثمّ إشارة مهمّة نحبّ أنْ نميّز فيها بين العطل وأوقات الفراغ، فهما ليسا شيئاً واحداً. فاستثمار العطل يعود إلى نمط تعاطينا مع أوقات الفراغ، وهذه الأخيرة ترتد لكيفية تعاملنا مع الوقت، والتعامل مع الوقت شاخص خطير على فلسفتنا في التعاطي مع الحياة، بل ومع الوجود برمته. ويقيناً يتفق معنا الجميع بأنَّ أمةً لا تُحسن التعاطي مع الوقت ولا تتقنه، عليها أنْ تعيش النكسات 
والنكبات.