موسوعتان نقديتان للسرد العربي

ثقافة 2019/02/04
...

حازم مبيضين
عن دار غيداء للنشر والتوزيع في عمّان أصدرت الدكتورة نادية هناوي دراسة حملت عنوان "موسوعة السَّرد العربيّ.. معاينات نقدية ومراجعات تاريخية". وهي إحاطةٌ تفصيليةٌ في موضوعاتِ السَّرد العربيّ، بقصدِ المعاينة النقدية لما سبق من جهد في هذا المضمار خصوصًا موسوعة السَّرد العربيّ التي كان قد أصدرها الدكتور عبد الله إبراهيم، وطبيعة الإشكالات التي طرحتها هذه الموسوعة في جزأيها الأول والثاني، مع تلمسِ معطياتِ الصّور والقضايا التي تصدتْ لها الموسوعة لاسيما ما يتعلق بمرونة الوعي والمركز والهامش والسردية الحديثة والسردية التراثية وما فيها من الظواهر والمفاهيم، معالجة إياها معالجاتٍ نقد نقدية، تستقرئ الريادة والتاريخ والبناء والثيمات وبعض المفاهيم الأخرى التي تقع في صلب اهتمام النقد الثقافي كالنسوية والهوية والاعتراف، وبعضها الآخر يدخل في اهتمامات النظرية الأدبية كالتجنيس والنصية.
 
جاء كتاب هناوي في بابين، أولهما يقوم على معايناتٍ نقديةٍ ومراجعاتٍ تاريخيةٍ، أتسمتْ بالدّقةِ والشّمولِ المعرفيّ والفحصِ المتأني، وفق المناهجِ والمنظوراتِ الحديثةِ، في حين جاء الثاني ليسدَّ النّقص في الجهدِ السّابقِ، وإظهارِ ما غفلتْ عنه موسوعة الدكتور عبد الله إبراهيم من أنماطٍ مهمةٍ في السَّرد العربيّ، إذ رادت الدكتورة هناوي متونًا جديدةً، وتوسعتْ في القصِّ القرآنيِّ والدينيِّ والمثيولوجيِّ والمقامةِ والأدبِ الشعبيِّ والأساطيرِ.
 
ولم يكن جهدُها المتميز هذا ذكرًا عابرًا أو مسحًا عارضًا لتلك المتون؛ بل بحثا معمقا لبواطنِها واستقصاءً لمناحيها الفنيةِ والفكريةِ، مدلّلة على عقليةٍ موسوعيةٍ رحبةٍ، لم تقبسْ من النهجِ الموسوعيِّ مظاهره انطولوجيًا أو ببلوغرافيًا حسب؛ بل تعاملتْ مع الموضوعاتِ صغيرها وكبيرها بقدراتٍ نقديةٍ واعيةٍ. ففي هذا الكتاب وعبر فصولهِ ومتونهِ المدشَّنة من قبلها، نلمسُ مدى الجهدِ الفائقِ المبذولِ من أجل فك تعالقاتِ تلك المتون ببيئاتها التاريخية وحواضنها الدينية والطائفية والمذهبية، لتغدو سرودًا خالصةً لوجهِ الدرسِ العلمي، فتشتبك معها بأسلحتِها النقديةِ، مشرِّحةً بناها ومفككةً رؤاها، واضعةً إياها في مرتبتها اللائقةِ بها في مدماك السًّرد العربي.