الوسطيون!

منصة 2021/03/04
...

جواد علي كسار
يفتح غياب المفكر المصري طارق البشري الجمعة الماضية بكورونا، وقبله بعام أحمد كمال أبو المجد؛ يفتح ملف من يُطلق عليهم في الساحة العربية والمصرية، بـ«الإسلاميين المعتدلين» أو بـ«التيار الوسطي» في الحالة الإسلاميَّة، وقد يفضّل البعض تسميتهم بـ«الإسلاميين المستقلين» كما فعل ذلك في دراسته عنهم، محمد حافظ دياب ضمن كتاب أصدره قبل عقد ونصف، بعنوان: «الإسلاميون المستقلون: الهوية والسؤال».
تيار الوسطية الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، انطلق لكي يكون حالة متميّزة عن التيارات الحركية وأحزاب الإسلام السياسي، كما عن الجماعات السلفية بوجهيها العلمي والجهادي. لم يقتصر وجود هذا التيار على بلدٍ دون آخر، فمن رموزه في تونس صلاح الدين الجورشي وحميده النيفر، ومن كبار دعاته في سوريا جودت السعيد وحلقته، وفي الجزائر عبد الرزاق قسّوم ويحيى أبو زكريا، ومن حلقاته التأسيسية الكبرى في تركيا جماعة فتح الله كولن، ومن بعده تيار المثقفين الإسلاميين أو ما يُعرف بمدرسة أنقره؛ من أبرز رموزها عبد الله غول وياسين أقطاي ومحمد خيري ورجب شانتورك، وربما كان أهمّهم جميعاً أحمد داود أغلو الذي يُعدّ في تركيا رائد المدرسة
المؤسّسية.
من رموز تيار الوسطية في السعودية زكي الميلاد وتوفيق الشيخ وحلقة مجلة «الكلمة»؛ كما كامل الهاشمي في البحرين؛ وغالب الشابندر ومحمد عبد الجبار الشبوط وعبد الجبار الرفاعي وعادل رؤوف وعبد الأمير زاهد وصلاح الجابري، وإبراهيم العبادي وماجد الغرباوي وصائب عبد الحميد وعبد اللطيف الحرز وطالب الأحمد، وغيرهم كثير في العراق.
رفض الحزبية الإسلامية بنسقها الحركي كما السلفية العلمية والجهادية، ليس هو الصفة الوحيدة لهذا التيار، بل تتوحّدهم عناصر أُخر من قبيل انحياز أكبر إلى العقل والاجتهاد، وميول بارزة إلى التجديد، والانغماس الكامل بالإصلاحية المتصالحة مع الدولة العصرية والمجتمع المستقر، وأخيراً العلاقة المتوازنة غير العدائية مع الغرب الثقافي والإنساني.
التقيتُ من مصر باثنين من أربعة هُم رادة هذا التيار؛ التقيتُ بسليم العوا وفهمي هويدي، ولم يتيسّر لي اللقاء بأحمد أبي المجد وطارق البشري، كما تربطني علاقة صداقة وعلاقة معرفة وفكر، بأغلب من ذكرتُ من أسماء هذا التيار، وقد لفت نظري حرصهم على إنتاج خطاب لا يمثل معرفياً نسقاً فكرياً مغلقاً منفصلاً عن بيئته ومرجعه الاجتماعي، ولا هو بعيداً عن مكوّنات المشهد السياسي، وعن إدراك الوضع العالمي المعيش، وهذا ما يعني أننا بحاجة لفهم هذا التيار إلى قراءتين؛ واحدة إلى بنيته وذاته وهويته، والأخرى إلى واقع علاقته مع
الآخر.
أخيراً، أعترف أنَّ هذه رؤية مجتزأة وعجلى، لكن آمل أنْ أكون قد نجحتُ في هذه الإشارة، من فتح ملف هذا التيار خاصة في بلدنا العراق!