منذ ان اكتشف العراقيون الحرف قبل قرون متمادية وعلموه لابنائهم وصدروه خارجا، وهم يشرفون على طباعة مؤلفاتهم وكل ما يتعلق بمادتهم المكتوبة، لكونهم متمرسين بهذه المهنة قبل ان يكتشف المصريون الكتابة على اوراق البردي، اذ كان ظهور الأختام الاسطوانية قبل خمسة آلاف سنة يعد أولى بدايات فن الطباعة للنسخ في العراق القديم باستخدام الحروف المعدنية المتفرقة.
والمثل المشهور القائل ان مصر تؤلف ولبنان تطبع والعراق يقرأ، لا يمثل كل الحقيقة، لأن العراق ألف وطبع وقرأ في كل مراحله الزمنية، وصولا للنصف الاول من القرن التاسع عشر حين دخلت له الطباعة الحديثة عندما تأسست اول مطبعة في بغداد سنة 1830 وسميت باسم مطبعة (دار السلام) وكانت تعتمد على تقنيات الزنكوغراف وهي الطريقة الطباعية السائدة في تلك الفترة .
لهذا كله شعرت بحزن شديد واستذكرت هذا التاريخ على عجل، حين قرأت خبرا في (سبتايتلات) القنوات الفضائية المحلية، مفاده ان العراق يقوم بطباعة مناهجه الدراسية في الاردن او لبنان بكلفة وصلت الى مليارات الدنانير، فيما مطابعنا يتآكلها الصدأ وملاكاتها تعاني من
البطالة !.
الذي يحز في الصدر ويثير الاستغراب حقا، ان العديد من البرلمانيين تحركوا في وقت سابق لمنع الطبع خارج البلاد بينما وزارة التربية مستمرة بالطباعة، من دون ان توضح السبب الذي يدفعها لذلك، خاصة ان مطابع البلاد الاهلية والحكومية لا تقل شأناً من حيث التقنية والتكنولوجيا المتقدمة عن تلك التي تقوم وزارة التربية باستخدامها لطباعة المناهج
المذكورة.
وخير مثال على ما نقول مطبعة جريدة الصباح ذات المنشأ الالماني، هذه المطبعة التي تعد بشهادة الخبراء من احدث المطابع في المنطقة والقادرة على طباعة المئات من النسخ في الساعة الواحدة، فلا اعلم والحال هذه عدم تكليفها او توقيع اتفاقية فيما بين ادارتها ووزارة التربية لطبع المناهج الدراسية، بدلا من اللجوء الى الخارج لطباعتها، علما ان هذه الصفقة لو تمت لترتبت عليها الكثير من المسائل الايجابية، منها تقليص الكلفة المالية التي تصل الى مليارات الدنانير كما ذكرنا آنفا، وعدم اخراج العملة الصعبة خارج البلاد ودخولها ضمن الارباح السنوية للدوائر
الرسمية.
اضافة الى تنشيط القطاع الخاص من خلال احالة جزء من العملية الطباعية عليها.
من هنا نناشد رئاسة مجلس الوزراء ووزارة التربية الاهتمام بهذا الموضوع والعمل على تنشيط قطاعي الطباعة الخاص والعام، لا سيما ان بلادنا تتميز بتوفر ملاكات ماهرة بهذا المجال.