في انتظار الدراما وعودة الروح

منصة 2021/03/13
...

  د عواطف نعيم 
 
رغم صعوبة الحال وعواصف الخوف والقلق ما بين تغول وباء كورونا وتداعيات الأزمة الاقتصادية التي تطيح بآمال المواطن العراقي وما يدور من تكهنات بشأن انتخابات مقبلة يتأمل منها العراقي أن تسهم في تغيير الحال نحو الأفضل.. كل هذا الواقع المعاش مع تضاؤل فرص العمل الدرامي العراقي الحقيقي لشح الموارد وتضارب التصريحات والاجتهادات وتعدد الآراء وتشتت الاختيارات، إلا أن هناك من يعول على المتغيرات التي قد تحمل بعض التفاؤل والأمل وتفتح منافذ لتحقيق الطموح وزرع البهجة في أن القادم لا بُد أن يحمل في طياته ما يبشر بالخير والتجديد، إذ من غير المعقول أن تبقى الدراما العراقيَّة في حالة الرتابة والتعثر والركود!
من غير المعقول حقاً ألا ينظر الى الفعل الدرامي وتأثيره في نشر الوعي وإنهاض الهمم وبث روح المعرفة والجمال! من غير المعقول حقا أنْ نظلَّ أسيري السطحي والتقليدي والمستنسخ!
فعلاً من غير المعقول أنْ ننتظر المواسم الرمضانيَّة كي تسمح لنا بالحركة والعمل والشعور بالذات والحضور من خلال المشاركة في أعمالٍ قد يجدها الفنان أحياناً لا تتماشى مع نهجه الفكري وتوجهه الأخلاقي وشخصيته الملتزمة، لكنه مجبرٌ على تقبلها وبأنْ يكون جزءاً من نسيجها الذي لا يلائم ذوقه أو حتى وطنيته.
يهلُّ الموسم وتبدأ عملية التحضير والتهيئة والاتصالات في تكتم وسريَّة أحياناً وفي وضوح وصراحة في أحيانٍ أخرى، وتلعب الشللّية والاخوانية والانبطاح دوراً كبيراً في عملية منح الفرص وتوزيعها بين الفنانين والتقنيين والكتاب، وليس هناك من يسأل أو يتدخل ليعرف ما الذي يحدث، المهم لدى البعض من الفنانين أنْ تكون له مشاركة في أكثر من عمل وأنْ يستمر مع تلك الجهة الإنتاجيَّة صاحبة رأس المال في علاقة متواصلة ومطلوبة (دهن ودبس)، أما طبيعة الأعمال وتوجهاتها وحقوق الفنان، أجره وفرصه وطريقة عمل المخرج وجديته وما هي الجدوى والتأثير المتوقع لهذا العمل في المتلقي ومن يخاطب وكيف؟
فهذا أمرٌ متروكٌ للصدفة ولبعض الأقلام والشخصيات البوقيَّة والمصفقة لكل من يدفع الثمن بانتهازيَّة واضحة.
المشكلة التي تواجه الدراما العراقيَّة التي ضاعت معالمها بين أمزجة وايديولوجيَّة منتجيها من أصحاب رأس المال الذي لا يكون في أحيان كثيرة عراقياً، بل عربي خاضع لإملاءات أصحابه ودافعي ثمنه والمتحكمين بحقوقه، المشكلة أنَّ لا راعي حقيقياً للدراما العراقيَّة يفكر بها بوصفها إحدى الوسائل المهمة في التثقيف والتنوير والتوجيه والمتعة وأنها تدخل في كل بيتٍ من بيوت الأسر العراقية والعربيَّة بحكم انفتاح الفضاءات وتعدد وسائل الاتصال في العالم، وأنَّ هناك متغيرات حتى في تلك الوسائل التي من الممكن أنْ تفتح الآفاق واسعة أمام المنجز الدرامي المتميز فتضع تلك الطاقات الفاعلة والرؤى الإخراجيَّة المجددة والأفكار الرصينة الإنسانية أمام أنظار العالم أجمع ليتعرف من خلال الدراما على تلك البلدان وحضارتها وتحضرها وطبيعة عاداتها وتقاليد مجتمعها؛ أي أنْ يتم من خلال الدراما بما تطرح من مفاهيم، تعريف العالم بما يحمله مجتمعنا العراقي والذي تقوم بنيته التكوينيَّة على تنوعٍ مدهشٍ ومتوائمٍ في تناغمه وتداخل نسيجه.
الجهات المسؤولة على مقاليد المال وتوزيع الموازنات الماليَّة يضعون الدراما والثقافة والفنون في ذيل القائمة إنْ لم تكن قد أغفلتها ورفعتها تحت ذرائع شتى اجتماعية وصحيَّة وماليَّة، غير مدركة أنها بذلك تحرم شريحة مهمة من الفنانين والمثقفين من الحق في العمل والمشاركة في البناء والإعمار الإنساني فكرياً وروحياً ونفسيا، لذا نرى ازدياداً غير مسبوقٍ في البرامج الحواريَّة مدفوعة الثمن للعديد من الوجوه السياسيَّة من أصحاب المناصب والرتب المتنفذة الذين يدورون في أغلب القنوات العراقيَّة والعربيَّة حتى تحولوا الى نجوم واشتروا ذمم العديد من الإعلاميين (الذين هم أيضاً أصبحت لهم الحظوة والمال والتحكم) ونافسوا الفنانين في كثرة الظهور والتواجد عبر وسائل الإعلام، في ظاهرة تدعو للتساؤل والعجب.
أما الدراما فهي متعثرة تنتظر الدعم الشحيح الذي يتيح لها أنْ تتنفس وأنْ تفّرد قامتها وتقف معلنة إبداعها أمام دراما عربيَّة كانت غافية ثم تنبهت ونمت وأصبحت منافساً للدراما المصريَّة صاحبة التاريخ العريق في أرجاء الوطن العربي، الدراما السورية واللبنانيَّة والخليجيَّة! وما يزيد الأمور تعقيداً إنَّ هناك من لا يرضى بالنقد الذي يشخّص ويقيّم الأعمال بما تستحق ويعتبر أنَّ أي مساس بعمله كاتباً كان أم مخرجاً أم ممثلاً هو محاولة شخصيَّة للنيل منه وليس لتقييم العمل على وفق معايير وأسس فنية وجماليَّة 
وفكريَّة!