المشترك النسقي بين التداوليَّة والنقد الثقافي

ثقافة 2019/02/05
...

د. حسين القاصد
 
من المتعارف عليه أن هناك شفرات ثقافية في كل زمان ومكان وفي كل مجتمع، وهذه الشفرات تشكّل السلوك العام والسمة الواضحة للمجتمع وعند اية محاولة لفك هذه الشفرات نجدها تتناول مختلف نواحي الحياة من معتقد ديني الى توجه سياسي الى كل ما له صلة بالحياة اليومية لهذا المجتمع، ولا شكَّ أن العرب اهتموا بقصدية الخطاب, ذلك لأنّهم يؤمنون بأن لكل مقام مقالا ، يوافق مقتضاه، لذلك كان للتأويل والتشبيه والاستعارة وما الى ذلك من الاسلحة البلاغية، كان لها الدور الكبير في إضمار النسق وانتعاش التأويل التداولي؛ فالتداولية تدرس اللغة في اطار الاستعمال غير آبهةٍ بحدود الوضع الأصلي وإن كان يبني عليه، فمقاصد المتخاطبين لا يمثلها الوضع اللغوي المجرّد فقط، ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال فهم اللغة في سياق الاستعمال المتجدد بتجدد مقاصد المتكلمين، يستند فيه المتخاطبون إلى الوضع اللغوي، ويتجاوزونه تلبية لمقاصدهم، وهنا نجد اشتراكا واضحا يدعونا الى ملاحقة المعنى الذي جاء به الاستعمال او الذي اضمره واطلق العنان للتداوليين لكي يؤولوا وفق الاقتضاء او النقاد الثقافيين وفق انساق الخطاب الثقافية، فالتداولية ليست دارسة للغة بالمعنى الجامد للدراسة اللغوية إنما هي دراسة استعمال اللغة في الخطاب، من هنا، نجد ان مشتركا ما يدفعنا في البحث عن المعنى التداولي وانساق الخطاب الثقافية .
إنّ اهتمام التداولية منصب على جانبين: دراسة اللغة، ودراسة الشق الاستعمالي لها. وبذلك يكون المبحث التداولي قد انفرد عن بقية المدارس اللسانية السابقة له، بانكبابه على اللغة، ومن ثمّ مراعاة الجانب الاستعمالي فيها. وإن هذا التيار كان وليد "فلسفة اللغة العادية" الذي أرسى دعائمه الفيلسوف "فيتغنشتاين"، الذي دعا إلى دراسة اللغة في جانبها الاستعمالي، هذا الاتجاه تلقفه كل من "ج.ل.أوستين" وكذا تلميذه "ج.سيرل"، اللذان تأثرا بهذا الفيلسوف واستلهما منه بعض أفكاره التي تبدو واضحة في دراسة القوى المتضمنة في القول. وإن دعوة التداولية لدراسة اللغة، لا لذاتها كما فعلت البنيوية، وإنما في إطار البحث في "استعمال اللغة"؛ ليستدعي بالضرورة تناول عناصر أخرى جديدة مرتبطة بهذا الاستعمال وتابعة له، كالمتكلم والكلام واللفظ والمقام والتواصل والغرض والمتلقي، والمضمر والظاهر، والتأويل وما الى ذلك، مما يطلق عليه اهل النقد الثقافي بالحيل البلاغية لتمرير النسق المضمر، وبهذا يتوافر للقارئ / الناقد، او الباحث الاكاديمي، مبضع جديد لتشريح النص ثقافيا لكن على طاولة التداولية وفق المشترك النسقي بين التداولية والنقد الثقافي، وهو مشترك له سماته الواضحة في النص الأدبي .