المرأة العراقيَّة.. قصص نجاح رغم الأزمات

ريبورتاج 2021/03/15
...

   فجرمحمد

لم يكن من قبيل الصدفة أن يجمع شهر آذار المرأة والشجرة فهما رمز للعطاء والخصوبة وترتبطان بالربيع الذي يستبشر بقدومه الكثيرون، وهذا العام يقبل علينا يوم المرأة في ظل ظروف استثنائية وجائحة تهدد العالم باسره، لكن عزيمة النساء واصرارهن كانا اقوى من الصعاب.
الجيش الأبيض
لا يخفى على احد أن هذا العام وما سبقه اختلفا بشكل جذري عن السابق، لان جائحة كورونا عطلت النشاطات الانسانية والاجتماعية لفترات طويلة، وفرضت على الطواقم الطبية، لاسيما الطبيبات والممرضات وكل من يعمل بمجال الصحة أن يواجهوا تحديات مختلفة.
تروي طبيبة الاسرة والمجتمع الدكتورة تمارة كاشف الغطاء، كيف واجهت النساء العاملات في المجال الطبي والصحي تحديات كورونا، وتقول كاشف الغطاء: "ليس من السهل على محاربات الجيش الابيض أن يتعاملن مع هذا الوباء القاتل الذي فتك بالكثيرين، وأن يمارسن اعمالهن المنزلية والانسانية تجاه اسرهن واولادهن في الوقت ذاته".
وبحسب ماتقوله الدكتورة كاشف الغطاء، فان الطبيبات والعاملات في المجال الطبي فضلن مواجهة الوباء على أن ينسحبن ويجلسن في بيوتهن، فالمرأة لم تترك زميلها الرجل يعمل ويواجه الخطر لوحده بل وقفت الى جواره في هذه المعركة.
 
ايقاف العنف
ترى الناشطة الحقوقية والاكاديمية الدكتورة بشرى العبيدي ان وضع النساء يسوء في ظل تزايد حالات العنف والاضطهاد، وهي لا تخفي امتعاضها من التصريحات التي صدرت مؤخرا بحق الناشطات النسويات والمدنيات، في حين أن شعار الامم المتحدة هذا العام هو النساء القياديات وتمكينهن ومد يد العون لهن، وتؤكد العبيدي ضرورة احترام النساء وتحقيق الاصلاح الحقيقي في مختلف المجالات.
 
احتفال الجمال
نادراً ما نرى متمسكات بالقوة، رافضات الاستسلام امام حقب الظلام المتكررة، فضيوف النجوم من النساء ما زلن يحققن دورهن في بناء المجتمع رغم ويلات الزمن، تحدثنا في هذا الاطار المدير العام لدار الازياء العراقية الدكتورة ابتهال خاجيك تكلان عن دورها في تمكين المرأة واسنادها، اذ تقول: "منذ انخيدوانا الى المرأة المعاصرة، نحتت النساء تماثيل الجمال، وخطن طرق الكفاح منذ فجر التاريخ، ولكوننا ابناءهن، لابد أن نسير على نهجهن كما توسمن بنا أن نكون، وأن نبتكر دورنا في عراقنا، وأن نحتفي ليس بجمالنا فقط، بل بقوتنا وعزيمتنا التي لابد ان تبرز للمجتمع، ولنقول للعالم كله، ان المرأة العراقية هي الاولى في عالم الممكن، لذا اهنئ العالم بشكل عام والعراق بشكل خاص بهذه المناسبة، لاقول من خلالها للنساء بانكن صانعات الجمال مهما بقيتن وبقي الليل والنهار".
 
تنظيم الوقت
فرض تحدٍ كبير على مها فاضل التي تدرس مادة الرياضيات في احدى المدارس وهو أن توفق بين عملها والآلية الجديدة المتبعة في التعليم، و مشاغلها المنزلية وتربية اولادها الثلاثة، فمن وجهة نظر مها ان نجاح المرأة في عملها لا يعتمد فقط على مجهودها الشخصي بل ايضا دعم واسناد الاسرة.
وتقول مها: "على الرغم من الجهد الذي ابذله اليوم في تدريس الاولاد وتهيئة المستلزمات الخاصة بالتعليم الالكتروني، الا انني اجد ذاتي في عملي ولا استطيع التخلي عن هذه المهنة بالرغم من مطالبات زوجي المتكررة لي بترك العمل، لكن اصراري وعزيمتي لا يمكن أن يلينان ولن اخسر عملي الذي احبه".
 
ظروف عصيبة
ظروفها العصيبة والمشكلات التي تعاني منها شهد فاضل 24عاما لم تكونا ذريعة لكي تترك دراستها الجامعية بل بالعكس تفوقت ونجحت، مع انها اضطرت الى التغيب عن محاضراتها كثيرا، لكنها تقول: "كان اصراري على النجاح والتفوق هو ما يدفعني الى مجابهة ظروفي، فلقد فقدت والدي في احد التفجيرات التي ضربت البلاد قبل اعوام، وبقيت انا وامي وشقيقي الاكبر وشقيقتاي، فاصبح اخي هو المعيل الذي كان يوفر لنا لقمة العيش بشق الانفس، لكننا تناوبنا على الحضور في ايام الامتحانات انا واختاي، وتمكنا من النجاح وبعد التخرج توفرت فرص عمل لكل منا بالرغم من انها لا تتلاءم مع شهاداتنا الجامعية، الا اننا تمسكنا بها وقبلناها".
 
الاستقلال المادي
من وجهة نظر مديرة العلاقات والاعلام والاكاديمية في الجامعة المستنصرية الدكتورة سهاد القيسي فان المرأة تحتاج الى دعم واسناد من اسرتها وذويها اولا ثم المجتمع، وترى القيسي ان قوانين حماية المرأة في العراق ليست بالمستوى المطلوب، والدليل على ذلك ما تتعرض له من تعنيف واساءة لفظية وجسدية، فهي تستحق أن تكمل دراستها وتعمل وتعيل اسرتها بشرف وكرامة.
 
مشاريع صغيرة
من يمر بقرب دارها سيكون بمقدوره شم الروائح العطرة من الاكلات والحلويات الشرقية والغربية، فلقد صنعت من منزلها المتواضع مشغلا تدير فيه مشروعها الصغير الذي افتتحته بمساعدة زوجها، فمنذ نزوح حنان كريم من مدينتها التي احتلتها عصابات داعش عام 2014 وانتقالها الى بغداد برفقة اسرتها، وهي دؤوبة ولم تكل او تمل من العمل واثبات الذات، وتقول حنان: "لقد طورت شغفي المتعلق بالطهي وصنعت منه مهنة ناجحة، اساعد بها زوجي لكي نعيل اسرتنا المتكونة من اربعة اولاد، وانا سعيدة بحب الناس للأكلات التي اصنعها".
 
تطوير الذات
ان الانفتاح على العالم الذي شهدته البلاد بعد عام 2003 كان فرصة لتبادل الافكار والخبرات والتجارب، هذا ما اوضحته الباحثة بالشؤون الاجتماعية والنفسية الدكتورة ندى العابدي، وتتابع حديثها قائلة: "ان التكنولوجيا والتطور اتاحا للعالم والنساء خصوصا فرصا لتطوير الذات والتعرف على التجارب الناجحة، كما شجعاهن على مواصلة مسيرتهن الدراسية واكمال الدراسات العليا، واقتحام مجالات كانت حكرا على الرجال، كالرياضات المختلفة والسياسة والحرف اليدوية وغيرها من التخصصات المتنوعة".
 
صفات قياديَّة
لتتبوأ المرأة مناصب ومهمات قيادية لابد أن تتمتع بصفات ومزايا عديدة، هذا ما اشارت اليه رئيسة قسم علوم الارض بكلية العلوم في جامعة بغداد الدكتورة منال الكبيسي، متابعة القول: "يجب أن تتحلى المرأة بالعزيمة والاصرار وتكون قادرة على الامساك بزمام الامور، وذات دور فاعل ومؤثر في مجال عملها وأن تسعى الى تطوير ذاتها والتسلح بالعلم والمعرفة واكتساب الخبرات بشكل مستمر، وليس بخاف على احد الظروف الاقتصادية والحروب التي حملت وزرها المرأة واصبحت هي القائدة والموجهة للأسرة نتيجة الابتعاد الاضطراري للرجل آنذاك".
 
قلق ومخاوف
من يدخل منزل علياء كمال سيتخيل انه في مستشفى او مركز صحي، لان روائح المعقمات والكحول تنبعث من كل ركن في المنزل، اذ انها حولت منزلها في ظل جائحة كورونا الى ثكنة طبية، وهي لا تخفي الوساوس التي تطاردها خوفا على اولادها وزوجها، وتقول علياء بينما هي تعقم مشترياتها المنزلية: "منذ أن اجتاحت كورونا الارض وانا ونظيراتي من النسوة وربات المنازل، قد اضيف الى اعبائنا المنزلية عبء آخر الا وهو الحفاظ على تعقيم المنزل والمشتريات بشكل مستمر، ولان المرأة هي المسؤولة بالدرجة الاكبر عن رعاية اسرتها والحفاظ على صحتهم، لذلك فهي اليوم امام تحديات حقيقية".
 
تحدٍ كبير
تبوأت المرأة اليوم مناصب مختلفة، لكنها اضطرت الى الخوض في سجالات وجدالات قبل أن تثبت ذاتها في منصبها، هذا ما بينته رئيسة قسم علوم الارض بكلية العلوم في جامعة بغداد الدكتورة منال الكبيسي، ثم قالت: "من الامور التي تواجهها المرأة اذا ما تم تكليفها بادارة العمل وقيادة مفصل معين من مفاصل الحياة، الاصطدام بعقبة ذوي التفكير المحدود"، وعن تجربتها الشخصية توضح الكبيسي انها واجهت من ينتمون الى مجتمع الرجل الشرقي الذي يرفض تسلم امرأة وتسيدها المنصب، لكن الخبرة والمعرفة بمجال العمل والتخصص العلمي اهلتها للاستمرار بعملها وتنمية قدراتها بشكل مستمر.