موت المثقف

ثقافة 2019/02/05
...

عالية طالب
 
يموت "الاديب – المثقف" فقط حين تتوقف أعماله عن حمل صفة الإبداع، ويبقى خالدا كلما عدنا لكتاباته لنقرأ فيها ما نعيد اكتشافه في كل قراءة متأنية.
"علاء مشذوب" لم يمت ولن يموت فما تركه وراءه من أصوات ستبقى ذات صدى لا يمكن التغاضي عن سماع ما أراد قوله ذات يوم كان فيه جسده حياً بصحبة روح تخيل القتلة انهم باطلاقاتهم استطاعوا ايقاف نبضها، وما عرفوا ولن يعرفوا أنّ روح مشذوب أبقت لنا شعلتها متوهّجة لتنير دروبا كثيرة كلما تصفحنا قصص "ربما أعود إليك"، "زقاق الأرامل"، "خليط متجانس" وروايات "بائع السكاكر"، "جريمة في الفيس بوك" "حمام اليهودي" وغيرها، وكلما قرأنا عن السينما والتلفزيون فسيبرز لنا "توظيف السينوغرافيا في الدراما التلفزيونية"، "بحوث ودراسات في السينما والتلفزيون"، "الحداثة وفن الفيلم"، "الصورة التلفزيونية (الألفة، الفرجة، التكرار)" ..
من ترك إرثا فكريا لا يموت بعكس من ترك إرثا ماديا زائلا وبصمة خائبة ولعنة ترافق احفاد الاحفاد ولوثة غادرة لا يمكن لها ان تفارق سمعة قاتل اراد ان يوقف "حياة مثقف" فأدامها وبقي هو يحمل عار فعلته ليورثها لمن ينتسب اليه الى أبد 
الدهر.
"مشذوب" المتوازن الهادئ الشفيف.. سرد لنا ما اردنا منه واصطحب في رحلته اوجاعه واوجاعنا التي اراد لها القاتل ان تستمر بنا وبه وهو لا يدري أن "مشذوب" دفن كل اوجاعه معه في مقبرة كانت رحيمة به وهي تحتضنه لتخلصه من اطلاقات غادرة اصابت جسدا ناله ارهاق حياة حاول ان يعيد بوصلتها الى الاتجاهات المفترضة فأبت إلّا أن تختلط مساحاتها بفيض دماء نقية.
كل الادباء "شعراء وروائيين وكتاب وقصاصين" هم خالدون في الذاكرة ولا يمكن لنا ان نسميهم أمواتا ونحن نعيد طبع كتبهم بعد نفاذها، ونعيد إدامة حياتهم كلما لاحت أسماؤهم بيننا وكلما نالت اجيالنا اطاريحها الاكاديمية عن اعمالهم 
المميزة.
"مشذوب" ومن سبقه الى الرحيل القسري، هناك رسالة خلود تحملها بصماتهم مهما تعاقبت السنوات، وسيأتي دائما جيل بعد آخر ليقرأ ما كتبوا وكيف رحلوا ومن كان سببا في ايقاف ما تنتظره المكتبة الثقافية لإبداع يسهم في إثراء العقول 
دوما.
من ينتظر انتهاء حلقات السلسلة واهم تماما فهي دائما ما تضيف لحلقتها دوائر جديدة من شباب عرفوا خطواتهم جيدا واختاروا الاصطفاف مع المنجز الرصين دوما ولم يلتفتوا الى من يحاول خذل مسيرة بلد عرف عنه دائما أنّه يجيد صناعة أجياله المثقفة والواعية ولا يركن الى  الزائف والمشوّه ويعرف بوضوح كيف يقدم الاضاحي على محراب العقل المتوهّج بالفكر والعطاء المميز دائما.
"مشذوب" باسمه المميز سيبقى مميزا أبداً في عراق يكفيه ان اسمه هو صفة العراقة والاصالة والعطاء الفريد.