حينما وحّدَنا الوباء!

منصة 2021/03/15
...

  ميادة سفر
 
​متى توحدت البشرية آخر مرة؟!.. متى استجمعت قواها العلميَّة والبشريَّة لمواجهة خطرٍ ما؟!!.. قطعاً، لم يحمل لنا التاريخ إجماعاً بشرياً حول قضية معينة، كما هو حاصل اليوم في التصدي لفيروس كورونا المستجد، الذي غزا العالم بشكلٍ مفاجئ وانتشر بسرعة لم يكن يتوقعها أحد، نظراً لأنه طاول مختلف دول العالم الغنيَّة منها والفقيرة، حينما استطاع أنْ يلقى مواجهة موحدة وتعاطفاً من قبل الشعوب على أقل تقدير، أما وحدة حكومات الدول في مواجهته فذاك حديث آخر!.
​من الواضح أنَّ الأمراض هي التي تعطي للإنسان الرحمة والشفقة، وتعدل جينات الرأفة في عموم ألوان البشر، وتعيد إنتاج تلك المشاعر الإنسانيَّة التي كادت تندثر، ويبدو أنَّ كل الأفكار العظيمة والديانات وحتى الابتكارات فشلت في توحيد البشريَّة، بينما نجح كورونا في ذلك.
​نعم نجح فيروس كورونا في توحيد الشعوب في العالم من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، حين جعل الإنسان يندمج في سلوكٍ واحد، ويتبع إجراءات وتعليمات واحدة، وجعله يرى نفسه متآخياً مع البشر الآخرين في كل القارات.. شعوب العالم كلها تعاطفت مع إيطاليا واسبانيا وإنكلترا، كما تعاطفت من الصين والدول العربية والقارة الأفريقيَّة، وانضوت جميعها تحت راية منظمة الصحة العالميَّة، تستمع إليها وتنتظر إرشاداتها وتقاريرها.. هكذا انصهرت ثقافاتنا في وجعٍ واحد، وصرنا نتطلع إلى نجدة تأتينا من هنا وهناك.
​تلك النجدة التي ننتظرها كشعوب، فرقت الدول والحكومات، وتحولت إلى ما يشبه التجارة التي لا يراد منها إلا تحقيق الأرباح وتجنب الخسائر، وبدأت المنافسة لإنتاج المعقمات والأقنعة الواقية، ولاحقاً بدأ التنافس المحموم لتحقيق السبق العلمي في إنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا، واستعرت المزايدات ومحاولة استقطاب الدول لشرائه، وحتى الضغط على بعضها والمساومة عليه مقابل الحصول على امتيازات من جوانب أخرى، أو تحقيق مكاسب سياسيَّة وغيرها.. 
​لا شكّ أنَّ التطور الذي حصل في وسائل الاتصال وانتشار الإنترنت، أسهم بشكلٍ كبيرٍ في سرعة إيصال الأخبار على اختلافها، وأخبار وباء كورونا بشكل خاص، وعدد الإصابات والوفيات وكل ما يتعلق به من أساليب وقائيَّة وعلاجات وسواها، وهذا الأمر ساعد في تشكيل إجماعٍ شعبي عالمي، وتعاطفٍ بين البلدان المختلفة، وساعد إضافة إلى ذلك، الحكومات على اتخاذ الإجراءات الوقائيَّة، من إغلاق للحدود وإجراء الفحوصات للقادمين إليها، وغيرها من أمورٍ لم تكن متاحة في الماضي عندما انتشر الطاعون أو الإنفلونزا الإسبانية أو الكوليرا وغيرها.. هنا يبدو من الطبيعي القول، إنَّ تناقل الأخبار اليوم، وإنْ حمل في بعض الأحيان معلومات مغلوطة أو أخباراً كاذبة، إلا أنه لم يخل من إيجابيات كالتي أشرنا إليها. 
​لقد أحبطت الجوائح والأمراض كالطاعون آمال البشريَّة لعقودٍ كثيرة، وكانت سبباً في زوال إمبراطوريات ووقوع خسارات ماديَّة وبشريَّة هائلة إلى درجة أنها غيرت مسارات البلدان وأتعستها ورفعت من شأن البلدان التي لم تجتحها.. كان الإنسان عدو المجهول ويخاف من كل شيء، ولا يتحرك إلا في حدودٍ آمنة، لذلك استولى عليه الجوع وغابت عنه المعرفة، بينما اختلف الواقع اليوم بشكل كبير. 
​إنّ من سخرية القدر أنْ أتى يوم توحدت فيه البشريَّة بشأن وباء، بينما كان باستطاعتها أنْ تتوحد بشأن أمورٍ أكثر نفعاً وإنسانيَّة، ماذا لو توحدت حول الأمن والسلام العالمي؟!.. ماذا لو توحدت للقضاء على الفقر والتشرد؟!.. أو لإنهاء الحروب والقضاء على صناعة الأسلحة؟!.. لو حصل هذا سيكون الكوكب ومن عليه بألف خير، وعندها يمكن الاقتناع بأنّ الإنسان كان خير خليفة على هذه الأرض التي ما فتئ يدمرها يوماً بعد آخر.