الألغامُ الأرضيَّة خطرٌ باقٍ ولن يرحل

بانوراما 2021/03/16
...

بيتر سوكيو
ترجمة: أنيس الصفار                                             
قبل وفاتها المأساوية المبكرة في آب 1997 ساعدت الأميرة ديانا في شد انتباه العالم الى إرث الالغام الأرضية، حين شاركت في مسيرة عبر حقل للالغام ضمن منطقة هوامبو وسط أنغولا خلال كانون الثاني 1997. وقد أبرز ذلك الحدث حجم الجهود المبذولة لإزالة تلك الالغام الأرضية في مختلف انحاء العالم. لم يمهل الأجل ديانا لترى كيف حرّمت “اتفاقية الأمم المتحدة لحظر الالغام” استخدام وتخزين وانتاج وتناقل الألغام الأرضية. انضم الى تلك الاتفاقية، المعروفة ايضاً خارج السياقات الرسمية بـ”معاهدة أوتاوا”، 164 بلداً، ليست من بينها الولايات المتحدة، واصبحوا اعضاء فيها.
يرجع تاريخ استخدام الالغام الارضية الى القرن السادس عشر عندما استخدم سلاح يسمى “فورغاس” في ايطاليا. هذا السلاح كان من حيث الاساس مدفعاً يدفن تحت الارض وعند انطلاقه يمطر ساحة المعركة بوابل من الحجارة والصخور وغيرها من الركام، ولكنها لم تكن اسلحة معتمدة على أي 
حال. 
أول لغم ارضي حقيقي يعمل بالضغط ظهر بعد ذلك بنحو قرنين وقد وصفه المؤرخ الألماني “أتش فرايهر فون فليمنغ” الذي عاش خلال القرن الثامن عشر بأنه يتكون من حاوية خزفية غرست في الطين الذي صنعت منه شظايا زجاج ومعدن. إلا ان استعمال الألغام كسلاح روتيني في ساحة المعركة لم يظهر إلا إبان الحرب الأهلية الأميركية.
ربما يكون التاريخ قد نسي “غابرييل رينز” ابن ولاية كارولينا الشمالية، ولكن من المحتمل ان يكون هذا الرجل هو أول من توصل الى صنع اللغم الأرضي 
الحديث. 
تخرج رينز من الاكاديمية العسكرية الأميركية (ويست بوينت) وكان موهوباً في الكيمياء والمدفعية، وقد صنع لغمه من صفائح حديدية مزودة بفتيل يحميه غطاء نحاسي مكسو بشمع النحل. وينفجر هذا اللغم عند حدوث ملامسة مباشرة بقادح الاحتكاك.
 
الحرب الأهليَّة
خلال فترة الحرب الأهلية التحق رينز بجيش القوات الكونفدرالية، وبحلول ربيع العام 1862 وضع أول الغامه على الطريق الى ريتشموند فكانت مشاة الاتحاد وخيالته هي أول اصابات جماعية تقع ضحية لهذا السلاح الغادر.
كتب الجنرال الاتحادي “جورج مكيلان” بعد اول مواجهة لقواته مع الالغام: “لقد تورط المتمردون بارتكاب اشد الأفعال همجية حين وضعوا الطوربيدات داخل المباني المهجورة وحول الابار والينابيع وقرب سواري الاعلام وفي مشاجب السلاح ومكاتب التلغراف وحقائب القماش وبراميل الدقيق وغير
ذلك.”
كانت المجازر التي اوقعتها الالغام جسيمة الى حد ان الجنرالات الكونفدراليين انفسهم اخذوا يترددون في استخدامها، ولكن مع انقلاب موجة الحرب ضدهم تراجع رفضهم لها.
بعد الحرب الأهلية جاء دور الجيش البريطاني الذي لم يبد تعففاً ازاء استخدام الالغام الارضية خلال حصار الخرطوم (1884 – 1885) عندما استخدمها القائد “شارلز غوردن” لصد قوات المهدي السودانية طيلة عشرة أشهر، وكذلك في حرب البوير حين استعان البريطانيون بالالغام ضد قوات البوير باستخدام مزيج من الالغام الارضية الحقيقية والالغام الكاذبة لارباك العدو. 
استخدمت الالغام ايضاً طيلة سنوات الحربين العالميتين، ولكن هذا السلاح لم يتحول الى قضية إلا من خلال الصراعات المحلية والاقليمية التي تخللت حقبة الحرب الباردة. 
تفيد بعض التقديرات ان اكثر من 26 ألف انسان من الأبرياء كانوا يذهبون ضحية الالغام الارضية سنويا خلال عقد التسعينيات بسبب الالغام التي خلفتها الحروب المحلية. وإلى يومنا هذا لا تزال هناك في العالم اعداد لا تحصى من الالغام الارضية غير المنفجرة وهي تواصل ايقاع الضحايا رغم مرور زمن طويل على انتهاء القتال الفعلي.
لا تزال هناك الغام لم تكشف عن وجودها حقول أوروبا وافريقيا، لكن العراق اليوم هو اكثر البلدان تشبعاً بالالغام الأرضية في العالم وهي بقايا من حرب الثمانينيات وحرب الخليج، كما زرعت “داعش” هي الاخرى ألغامها ضمن محاولة للتشبث بالاراضي التي استولت عليها. كل تلك الالغام ستبقى لعقود مقبلة تسجل انتصاراتها بحق الأبرياء.
 
عن موقع “ذي ناشنال إنترست”