دفتر الديون .. كابوس المواطنين نهاية الشهر

ريبورتاج 2021/03/18
...


 مصطفى صــفاء 
 
الدين ممنوع
كانت وقفتنا الأولى مع الحاج علاء (65 عاماً) صاحب محل للمواد الغذائية الذي قال: "ان التعامل بالدين هو تسهيل أمر، وانه لا يقتصر على فئة معينة في المجتمع، فتجد اسرة مكونة من خمسة أفراد قد وصل دينها المتراكم إلى أكثر من (500) ألف دينار، ولا ينتهي هذا الرقم أبدا فهم يسدون جزءا من الدين ثم يعودون ويسحبون، دائرة مغلقة تجعلهم لا يستغنون عن البقال والدفتر، وتؤمن لصاحب البقالة الاستمرار، فلا تشكل المحال التجارية تهديدا  لعمله البسيط".
وأضاف الحاج " قمت برفع شعار "ممنوع الدين" لفترة مؤقتة لأناس قصروا في دفع الديون، وعند استرجاع ديوني منهم، ازيل الشعار ولا أتعامل بالدين معهم، فليس هناك ما يثبت حقي سوى الثقة". 
 
شعارات
الشاب وليد حسن (25عاماً) صاحب محل للمواد الغذائية قال: "دائما تكون الشعارات هي:" أداينه يفرح. . أداعي يزعل. . اعوفه ينام"، "لا دين ولا بعدين ولا هسه اجيك"، "الدين ممنوع والعتب مرفوع والرزق على الله"، "اليوم البيع بالنقد وغدا بالدين"، شعارات كثيرة بعضها طريف وبعضها كشف لأستار المرء، بعضهم ألف الدين فلم يعد يشعر بالحرج أمام دائنه، رغم أن الغالبية منهم أثقلت تلك الديون أنفسهم بالهموم، ودخلوا في دوامة لا تنتهي من الحلول المؤقتة، فكلما خرجوا من حفرة، جرفتهم أخرى ليظلوا قابعين بين فكي الرحى تطحنهم بلا رحمة، حتى أصبحت أيامهم كالدقيق تذروه الرياح". 
 
الدفتر البغيض
اما المواطن حيدر علي (30عاماً) فقال: "إن دفتر الديون أصبح من الثقافات الرائجة في مجتمعنا، فأنواعه وطرقه وأساليبه لا تعد ولا تحصى، ولم يقتصر وجود دفتر الدين على حاجة الناس له، ولكن تعدى إلى عادة يمارسها اغلب الناس لشراء ما لا حاجة بهم إليه، وبعضهم اتخذه وسيلة من وسائل الاحتيال والاستغلال، ولعل حاجة أصحاب المحال لدفتر الدين هي ما يُبقي بعض البقالات الصغيرة عنصرا حيويا إلى الآن على الرغم من طغيان المحال التجارية الضخمة وبضاعتها وعروضها المميزة". 
من جانب آخر أكدت مروة علي (39عاماً) موظفة حكومية "ان راتبي لا يتجاوز (450) ألف دينار لأني موظفة بعقد مؤقت، وحاجاتي ومتطلباتي كثيرة، فاضطر للتعامل مع أصحاب المحال (العرف) فادفع نصف قيمة مشترياتي، والنصف الآخر بالاتفاق مع صاحب المحل على الشهر المقبل، وانا بذلك أوزع الراتب بين اكبر قدر ممكن من الحاجات والمقتنيات المنزلية، فراتبي كما ترى ضئيل جدا بالنسبة لغلاء الأسعار". 
 
نظام المقايضة
 أما أبو سعد (37عاماً)، صاحب محل للخضراوات فيقول : "ان احد زبائنه من الذين يتعاملون بالدفع الآجل يعمل مضمداً ويسدد ديونه مقابل العلاج الذي يعطيه له، ولا يدفع إلا بالمقايضة، اذ يسدد ديونه المتراكمة مقابل إعطائه العلاج، ولكن أكثر الشراء يكون بالدين". ويستدرك "انه لا يتعامل مع التجار بالدين وان ضمانته الوحيدة هي الثقة". وأضاف " ان المقايضة شملت أشياء لا تخطر على بال احد ومن ذلك لجوء بعض الاسر إلى من يعرفون من أصحاب سيارات الأجرة (تكسي عرف)".
 
المعدن الأصفر
 على الرغم من الارتفاع المتزايد لقيمة الذهب بصورة يومية ومتتالية، إلا أن بعض الصاغة يتعاملون بالدين، اذ قال (طارق زياد) أحد الصاغة ان "تعاملنا بالدين شيء وارد لكنه يرفض تسميته بدفتر الديون، بل يعتبره دفتر متبقيات"، ويبين أنه "لا يتعامل بالدين على سعر الغرام، إذ يقوم بسداد اغلب متبقيات الدين من ماله الخاص، وبذلك يتلافى الخسائر التي يمكن أن تحدث نتيجة ارتفاع وانخفاض سعر الغرام من يوم الاستلام الى يوم الدفع، ونحن نعمل بشكل مدور (سلسلة ديون)"، مؤكدا "على الرغم من أن (90 %) من الذين أتعامل معهم بالدين هم من معارفي، إلا انني لم اسلم من النصب والاحتيال وعدم تسديد المتبقيات من الديون".  
وفي سياق آخر بين عمار الموسوي (صيدلي) أنه" يتعامل بإعطاء الدواء مقابل تسديد الدين بفترة وجيزة وسبب لجوئه لذلك هو العامل الإنساني، فبعض المرضى لا يمكنهم تسديد ثمن وصفة تحتوي على خمسة عشر نوعاً من العلاج قد تكلف أحيانا (100) ألف دينار، فاضطر إلى القبول بنصف ثمن القائمة نقدا والباقي على شكل ديون"، مضيفا ان" هناك أناساً لا يوفون ديونهم حتى وان كانت بسيطة، وفي هذا حالنا لا يختلف كثيرا عن أصحاب المحال الباقية، الثقة هي اساس تعاملنا، ولا نقول غير ان جزاءنا عند الله كبير، ولهم رب سيحاسبهم". 
 
القرض مشروع
الشيخ عبد المنعم احمد خطيب جامع العسافي أوضح ان " الدين عمل مشروع على ألا يختلط بالربا، فإذا تم الإخلال بشرط معين بالبيع أصبح محرماً هنا، كما يحرم على الدائن أن يطالب المدين في عسره إذا كان معسوراً، ومحرم عليه أن يبيع بيته لتسديد المديونية عليه، فالقرض حالة مشروعة إنسانية لإنقاذ المعسور، لكن هناك شروطاً منها ألا يكون هناك ابتزاز عليه، اذ يؤكد رسولنا الكريم محمد (ﷺ) مسألة الدين وأهميته في حديثه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):" مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ: الْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَالصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا".