قصص وحدة «الصامت الخفي» البولنديَّة

بانوراما 2021/03/22
...

  لانري باكاري 
  ترجمة: ليندا أدور
كانت مجموعة من نخبة مقاتلي المقاومة البولندية من الذين تلقوا تدريبهم في المملكة المتحدة قبل مقاتلة النازيين خلف خطوط العدو خلال الحرب العالمية الثانية، والتي أطلق عليها اسم وحدة (سيكوسيمني - Cichociemni) أو “الصامت الخفي Silent Unseen”، اليوم، تناشد هيئة التراث الانكليزي أسرهم وأقاربهم لتشجيعهم على مشاركة قصص أبنائها في الذكرى الثمانين للمهمة الأولى للوحدة. 
تلقى نحو 600 عنصر من سيكوسيمني تدريبا في مواقع مختلفة بعموم أنحاء المملكة، ضمنها أسكتلندا ومانشستر وإسيكس، لكن في النهاية عاد نحو 300 فقط الى بولندا، اذ جرى هبوطهم بالمظلات ليسهموا بقيادة أقوى حركة مقاومة في أي منطقة يتم احتلالها من قبل الألمان.
يقول يانوش، نجل جوزيف زابيلسكي، الذي كان ضمن أفراد المهمة الأولى للوحدة، بأن والده الذي خدم في الجيش البولندي وتم تجنيده لـ الصامت الخفي» بعد أن نجح بشق طريقه الى انكلترا عبر رومانيا وفرنسا عندما سيطر النازيون على البلاد سنة 1940، يقول: «أعنقد انه كان واقعيا، مثل العديد منا، فقد أدركوا (أي الوحدة) بأن ما أقدموا عليه لن يغير من مسار الحرب»، مضيفا «لكنهم منحوا الأمل للسكان المحليين من الذين لا يزالون يعيشون في بولندا بعض الأمل بأنهم ليسوا نسيا منسيا». 
 
مآثر وبطولات
جرى تدريب زابيلسكي ورفاقه في المرتفعات الأسكتلندية وداخل منزل أودلي إند في إسيكس، حيث تم تعليمهم مهارات عمليات تخريبية والقتال غير المسلح وحفظ روايات تبريرية في حال القي القبض عليهم وتعرضوا لعملية استجواب. 
هبط زابيلسكي بمظلته في بولندا برفقة عنصرين آخرين، لكن كاحله تعرض للكسر اثناء ذلك، غير أنه تمكن من خداع السلطات عندما سئل عن سبب إصابته ليصل الى وارسو في غضون بضعة أسابيع، كان غالبا، ما يتجنب نقاط التفتيش من خلال القفز من القطارات قبيل وصولها الى المحطة. 
يشير آندرو هان، من هيئة التراث الانكليزي، الى ان بطولات زابيلسكي كانت مثالا لأعضاء الوحدة التي عملت ضمن مخاطر لا تصدق، بقوله: «أنها قصة ذات أهمية كبيرة للغاية، كان لها الأثر الكبير على المجهود الحربي في بريطانيا ويعزى ذلك للنجاحات الكبرى التي حققتها عمليات التجسس، التي نفذها عناصرها بعد وصولهم الى بولندا». يقول هان إن المآثر التي حققتها الوحدة لعبت دورا رئيسا في مساعدة الحلفاء على هزيمة النازيين، بضمنها الحصول على معلومات استخبارية مهمة قبل الإنزال في نورماندي أو ما يسمى (D-Day- يوم الموت)، الى جانب الحصول على معلومات حول قواعد إطلاق الصواريخ V1 وV2. 
 
ذاكرة جمعيَّة
عقب انتهاء الحرب، أعيد تأهيل زابيلسكي ليعمل طاهيا مختصا بالمعجنات في لندن قبل ان يغير اتجاهه تماما نحو إدارة الممتلكات، تلاها افتتاح «سرير وإفطار» او ما يعرف B&B (غرف مفروشة في فندق أو منزل، للترحيب بالضيوف أو السياح توفر خدمة المبيت مقابل رسوم لليلة واحدة أو أكثر مع وجبة إفطار- ويكيبيديا)، لكنه، يقول نجله، لا يزال محاطا بمآثره أثناء الحرب، لذلك لا يجلس أبدا وظهره الى الباب» (في إشارة الى أنه ليس بمأمن): «كان، على الدوام، التأكد ممن يأتي ومن يذهب، فأصبحت كغريزة إعتاد القيام بها، وهذه في الواقع، كلها بعد الحرب». 
يقول هان إن الكثير من العملاء الذين عملوا مع «جيش الوطن Armia Krajowa “ البولندي، الذي كان يضم، في ذروته، 300 ألف مجند، شاركوا في انتفاضة وارسو صيف عام 1944، قتل 112 منهم اثناء الحرب، بينما لقي تسعة آخرون مصرعهم على يد النظام الشيوعي المعروف بعدائه لـسيكوسيمني، اذ كان يعدهم متسللين انكليز.
تحتفي بولندا ببطولات الوحدة، لكن قصص الكثير من عناصرها لا تزال، حتى اليوم، غير معروفة، الى حد ما، في بريطانيا، رغم دورهم البارز في المجهود الحربي، «أرى أنه أمر بالغ الأهمية بالنسبة لبولندا، لكنه نوع من الانزلاق من الذاكرة الجمعية في المملكة، فحين تم التركيز على العملاء في فرنسا كانوا ضمن المقاومة الفرنسية». 
 
*صحيفة الغارديان البريطانية