ميادة سفر
ألا يحق للمرأة أن تقرر إن كانت تشاء الأمومة أم لا؟.. ألا يحق لها المشاركة بتوقيت الإنجاب أم هو حق ينفرد به الرجل؟.. أليست هي من ستحمل؟.. وتتحمل آلام وتقلبات المزاج ومخاطر وآلام الولادة لاحقاً؟.. ألا يحق لها أنْ تأمل بحياة رغيدة سعيدة لذلك الطفل الذي ستأتي به إلى الحياة؟.. أسئلة كثيرة ربما وافق عليها البعض ورفضها آخرون.. لكن الإجابة عليها في مجتمعات كمجتمعاتنا العربيَّة تبدو في غاية الصعوبة والدقة!..
هنا، لا تنتظر نساء الأسرة والجيران مضي شهر على الزواج، ليبدأ السؤال "ما مخبيتلنا شي"؟!.. ألم توصوا على ولي العهد؟!.. وركزوا هنا على عبارة "ولي العهد" فحكماً يجب أنْ يكون المولود الأول ذكراً، لا علينا فهذا حديث آخر، ونحن اليوم نحكي عن الأمومة، وسنحتفي بالأم في عيدها.
لا حرية ولا آراء ولا أية قناعات يمكنها أنْ تبرر عدم رغبة الزوجين أو أحدهما بالإنجاب أو على الأقل تأجيل الأمر لفترة من الزمن، وتنطلق كل تلك الضغوطات من خلفيات دينيَّة واجتماعيَّة وأحياناً اقتصاديَّة، من دون الأخذ بعين الاعتبار رأي الطرفين، ولا قدرتهما الماديَّة على تأمين ما يوفر للوافد الجديد ما يسد به رمقه، ولن نقول ما يوفر حياة رغيدة فيها كل ما يحتاجه لنموه وتربيته وتعليمه، ويستند المحرضون على السرعة في الإنجاب إلى المقولة العرجاء "يأتي الولد ويأتي رزقه
معه"!.
بمناسبة عيد الأم الذي يحتفي به العالم العربي في الحادي والعشرين من شهر آذار من كل عام، أردت أنْ أناقشَ الأمومة من زاوية أخرى، من مدى الرغبة لدى المرأة في أنْ تصبح أمّاً.. لا شكّ في أنها نقطة إشكاليَّة ويمكن أنْ تتعرض لكثيرٍ من النقد والرفض، لكننا لو أخذنا الأمر من زاوية إنسانيَّة، ومن مبدأ حرية الإنسان في تقرير مصيره وشكل ونمط حياته وحريته في التعامل مع جسده، ربما سيكون الأمر أخفّ وطأة.
في مجتمعات كالمجتمعات العربيَّة، حيث تنعدم الحرية أو تكاد، ويعامل الإنسان بأدنى درجات الإنسانيَّة، يغدو الحديث عن حرية الإنجاب ضرباً من الجنون والخيال، وربما يأتي من يتلطى تحت ستار الدين ليفتي بأننا نخالفُ الشرعَ وسنة الحياة، بينما يتناسى هؤلاء الأعداد المتزايدة بشكلٍ مخيفٍ ومقلقٍ للأطفال المشردين في العالم العربي، لأسبابٍ كثيرة مثل الحروب والفقر وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى نتيجة واحدة: أطفال مشردون ومحرومون من كل سبل الحياة والعيش الذي يحتاجه أي طفل في العالم!.. فضلاً عن أنَّ أولئك سيغضون الطرف عن الأعداد الكبيرة من الأطفال المجندين للقتال الذين سيتحولون بعد سنواتٍ إلى قتلة بشهادات التنظيمات الإرهابيَّة.
كل تلك المخاطر لن تقنع البعض بعدم رغبة أحد الزوجين أو كليهما في الإنجاب أو تأجيله، وكأنَّ الأمومة فرضٌ واجبٌ على كل امرأة!.. وعلى المقلب الآخر، تقف القوانين والشرائع من جهة أخرى وفي ازدواجيَّة ملفتة، لتمنع زوجين لم يتمكنا من الإنجاب ولديهما رغبة به، من تبني أحد الأطفال الأيتام، انطلاقاً من أنّ التبني ممنوعٌ في الأديان، منعاً لاختلاط الأنساب وغيرها من حججٍ واهية يرددها البعض منذ مئات السنين، بينما لا ضير في رمي المزيد منهم في الشوارع للتسول والانحراف، وربما الإجرام.
في عيد الأم.. طوبى للأمهات الأمهات بكل معاني الأمومة، الراغبات بها، المقبلات عليها، وطوبى لكل امرأة اختارت عن قناعة ألا تصير أمّاً، وطوبى لكل امرأة قدمت عاطفتها لأطفالٍ غرباء عنها فكانت بمثابة أمهم، وطوبى لامرأة أنجبت إنساناً حراً متحرراً ومنعتقاً من كل العقد، ولكل امرأة رعت وربتّ وأنضجت، سواء أكانت أمّاً أم لا.