{مود} و {بريمر} !

الصفحة الاخيرة 2019/02/08
...

حسن العاني 
المتابع لعلاقة الغرب بالعرب: وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، يلاحظ من غير مصاعب تذكر، مدى عناية الغرب بأوضاع العرب، واهتمامهم بأدق تفاصيل حياتهم، ولا يراد بهذه العناية تقديم الطعام او معونة الشتاء او العمل على توفير بطاقة تموينية تليق بهم، وانما دراسة خصوصياتهم الفكرية والنفسية والاجتماعية، وقد افادهم ذلك كثيراً، حيث توصلوا الى ان الطريق الى توظيف الرجل بصفة (عميل) يأتي عبر المال او النساء او الكرسي.. وقد تولت هذه المهمة مئات المراكز البحثية، وربما كانت المراكز او المؤسسات البحثية في اميركا وبريطانيا تتفوق على غيرها من حيث الانفاق وحجم العاملين والبحوث، لان مصالح هذين البلدين موشومة بقدر واضح من المصالح والاطماع!
امر طبيعي ان تلتقي طروحات هذه المراكز او تقترب من بعضها او تتباين كلياً وقد تتعارض الى حد التناحر، ولعلها من محاسن المصادفات ان اطلع على دراسة مطولة لاحد مراكز البحوث البريطانية، حصلت عليها قبل بضع سنوات عبر الانترنت، اما مضمونها فيتعلق بأوضاع العراق في اثناء الاحتلالين (البريطاني لعام 1917 والاميركي لعام 2007)، وقد حاولت الدراسة اجراء مقارنة بينهما تفتقر الى الحيادية والموضوعية بالتأكيد، على الرغم من ان الدراسة اكدت غير مرة التزامها بالحيادية والموضوعية. من بين المقاطع والفقرات والهوامش التي وقفت عليها وحاولت ايجازها، نقرأ التالي: ان القوات البريطانية بقيادة الجنرال (ستانلي مود)، احتلت بغداد في 11 / 3 / 1917، وقد قامت الدوائر السياسية في لندن والهند باعداد بيان يذاع على اهالي بغداد باسم (مود) قبل ان يطلع عليه، وتمت اذاعته – يقصد نشره بين الناس – في 19 / 3 / 1917، وكان اهم ما ورد في هذا النص (إن جيوشنا لم تدخل مدنكم وارضكم بمنزلة قاهرين او اعداء، بل بمنزلة محررين) ويصل التقرير بعد سرد الكثير من التفاصيل الى ان سياسة (مود) التطمينية دفعت وجهاء بغداد واثرياءها الى اقامة تمثال كبير للجنرال وهو بالزي العسكري على صهوة جواده، تم وضعه عند رأس جسر الاحرار في الصالحية، الذي كان يدعى جسر مود (تولى الشعب العراقي اسقاطه وتهشيمه صبيحة 14 تموز 1958) ثم ينتقل التقرير الى الهدف الرئيس، وهو مهاجمة السياسة الاميركية بعد احتلالها للعراق، وفشلها في تقديم اية خدمة للعراقيين و(هذا هو السبب الذي جعل اهالي بغداد يمتنعون عن اقامة تمثال للسفير بول بريمر حتى لو كان نصفياً!!) على حد النص الحرفي للتقرير.
بعد ثلاثة ايام تولى مركز ابحاث اميركي نشر تقرير بالضد حاول فيه النيل من الاحتلال البريطاني الذي لم يقدم للشعب اي مكسب في مجال الحرية والديمقراطية والتعبير عن الرأي.. واذا تجاوزنا الكثير من التفاصيل، فان التقرير يخلص الى القول بأن الاميركان كانوا اكثر ذكاء من اسلافهم الانجليز بدليل انهم لم يشجعوا على اقامة تمثال لبريمر، على الرغم من وجود رغبة حقيقية لدى بعض السياسيين لإقامة مثل هذا التمثال وان تباينت اراؤهم، هل يصنعونه من الجبس او الفضة ام الذهب بحسب درجة الولاء للسفير... أشهد ان الاميركان كانوا اذكياء لإدراكهم بان تماثيل المحتلين سوف تهشم حتى لو كانت مصنوعة من
الفولاذ!!