هدية حسين
مهما بحثت عن خيوط درامية تربط أغنية ليالي الأنس في فيينا وفيلم (غرام وانتقام) فلن تجد، هذه الأغنية التي لن تشيخ على الرغم من أنها عبرت زمنها بستة وسبعين عاماً، ومع كل عرض لها ستطرب مع صوت أسمهان الذي لا ولن يتكرر، ومع كلماتها التي كتبها الشاعر أحمد رامي متغنياً بجمال مدينة فيينا.
ومع لحنها الذي وضعه الموسيقار فريد الأطرش وقال فيه أحد النقاد بأنه اللحن الأهم والقيمة الموسيقية والتاريخية، والتي كانت ضمن ست أغنيات تضمنها فيلم (غرام وانتقام) ثاني فيلم لأسمهان بعد فيلم (انتصار الشباب) في العام 1941، الذي لم تُكمل مشهده الأخير المكتوب في السيناريو ففضلت أنْ تستبدله بمشهدٍ آخر رسمته لها الأقدار هو مشهد موتها غرقاً قبل أنْ تتم عامها الثاني والثلاثين، وكأنَّ الماء كان قدرها، فهي ولدت على متن باخرة متجهة من سوريا الى مصر، وماتت بحادث سقوط سيارتها بساقية في رأس البر.
لنعد أولاً الى فيلم (غرام وانتقام) الذي عُرض في العام 1944 بعد وفاة أسمهان في الرابع عشر من تموز من العام نفسه، فتحول الى نهاية حزينة غير تلك السعيدة التي كُتبت له، والذي يحمل الرقم 91 في قائمة أفضل مئة فيلم مصري، نقرأ في التايتل بأنَّ الفيلم من بطولة اسمهان وأنور وجدي، ومن إخراج يوسف وهبي وبطولته أيضاً، وأن القصة مقتبسة، لكن لم يُشر الى مصدر الاقتباس.
تدور أحداث الفيلم حول مطربة تدعى سهير سلطان (أسمهان) تقرر اعتزال الفن بعد زواجها فتقدم حفلة تغني فيها أغنية تودع من خلالها الجمهور، والأغنية هي (ليالي الأنس في فيينا) التي بدأ الفيلم بها، سنهيم ونطرب مع الأغنية ونتابع أحداث الفيلم حتى نهايته لكننا لن نعثر على صلة تربط بين الأحداث وكلمات الأغنية، على العكس من بقية أغاني الفيلم التي كتبت من أجل التعبير عن الحالات النفسية لبطلة الفيلم، وسنتساءل بعد نهاية الفيلم ما علاقة عاصمة النمسا (فيينا) بسياق أحداث فيلم (غرام
وانتقام)؟.
نؤكد أنَّ لا صلة للأغنية بالفيلم، لقد جاءت عائمة وسط تلاطم موج أحداث الفيلم، ولم تكن فيينا في ذلك الوقت مدينة نمساوية، بل كانت كما يقول تاريخها ضمن حدود ألمانيا النازية، فالنمسا استقلت في العام 1955، وسواء كانت نمساوية أو ألمانية فالأغنية بعيدة كل البعد عن دراما الفيلم، تمتلك طاقتها التعبيرية من الكلام واللحن والصوت، وكان يُفترض بكاتب السيناريو والحوار أن يربط بين الأغنية والفيلم درامياً كما حدث مع بقية الأغاني التي كتبها كل من مأمون الشناوي وبيرم التونسي وأحمد رامي الذي كتب
إضافة الى ليالي الأنس أغنيتي أيها النائم ومواكب العز، كأنْ يضيف على سبيل المثال مشهداً وحواراً بين ممثلَين أو أكثر ليبين علاقة الأغنية بالأحداث، فهل جاءت الأغنية مجاملة من أحمد رامي لسبب سياسي يخص تلك المرحلة؟
إنها مجرد تساؤلات تدور في خاطري لأغنية لها مكانتها في تاريخ الفن الغنائي المصري والعربي، وتأثيرها الذي لا يزال يمسك بأحاسيسنا لجمال الكلمات وجمال اللحن والصوت وصاحبة الصوت، إذ لا يجوز أنْ نضع أغنية في سياق فيلم من دون أنْ يكون هناك مبرر درامي للأغنية يعبر عن حالة من الحالات ويسهم في نمو الأحداث، ولا يمكن إقحام السياسة، إنْ كان هذا هو السبب، في قصة فيلم لا سياسة فيه غير سياسة الحب ورنين الكأس ورنة الألحان، والانتقام الذي يركز عليه الفيلم.
ستظل رائعة (ليالي الأنس في فيينا) شابة لا يخدش جمالها الزمن ولا يأخذ من نضارتها، ويبقى لحنها على إيقاع الفالس من أروع ما أبدعه ملك العود فريد الأطرش بعد أنْ ألهمت فيينا أحمد رامي بكلمات عشق لمدينة تُعد من أجمل مدن العالم، مدينة (نسيمها من هوا
الجنة).