من لقاح معهد جماليا الروسي (سبوتنيك في) ولقاح (استرازينيكا) الذي طوره المختبر البريطاني أسترازينيكا وجامعة أوكسفورد، مروراً باللقاح الأميركي الألماني (فايزر بيونتك) واللقاحات الأميركية الأخرى (مودرنا).. (نوفافاكس).. (جونسون آند جونسون)، وصولاً الى اللقاح الصيني (سينوفارم)، يقلب العالم طرفه بين أقصى شرق الأرض وغربها حيث تتوالى الأنباء عن لقاحٍ يدفع شر هذا الوباء فيلحقه بالكوليرا وغيرها مما أغلق ملف خطورته وتهديده لحياة البشر، ومع هذا الشغف بمتابعة ما أنتجته كبرى الشركات العالميَّة من لقاحات لا يزال العالم يتابع الحصاد اليومي لأرواح البشر في إحصائيات المواقف اليوميَّة التي تصدرها منظمة الصحة العالميَّة، فضلاً عن حالات الإصابة وحالات الشفاء.. فتباينت الرؤى والتصورات وصدقت بعض النبوءات وتحطمت أخرى على أعتاب أبواب حقائق جديدة كحدوث طفرات وتطورات للفيروس واستهدافه لفئات عمرية لم تكن ضمن حسابات أهل التخصص.
قد يستسلم البعض فيردد – حين يرى إخفاق العلم في المواجهة- (أنَّ حلول الأرض انتهت ولم تبق إلا حلول السماء)، وقد يعيش البعض الآخر من دون اكتراث للنتائج ليرضى بما يصيبه إذ يشعر بألا حول له ولا قوة ولا تدبير سوى الوقاية التي فرضتها عليه القوانين والتزامه بارتداء كمامته وتعقيم يديه وهو التزام ظاهري لا يصمد أمام حدوث الإصابات في من حرصوا كثيراً على ارتداء دروع الوقاية وتعفير مواطئ أقدامهم ومحط رحالهم، وقد يعيش البعض على أمل أنْ تكون اللقاحات السبعة أو واحدٌ منها محل إجماع العالم على نجاحها، لكنْ مع تجلطات أصابت البعض ممن تناول جرعة من لقاح (أكسفورد- استرازينيكا) دخل العالم في دوامة جديدة من التوتر، لتتغير المواقف حتى بالنسبة للذين كانوا يأملون النجاة بعملية نجاح اللقاح، ولهم الحق في ذلك فالقضية لا تشبه نزهة عابرة إنما هي قضية حياة وموت، وقضية مصير آباء وأبناء وأمهات، وقضية وجود بشري مهدد بوباء قاتل مستجد غريب مشوه الملامح متطور بشكلٍ مخيف لا يقف بوجهه شيء سوى لقاحات اجتهدت في إنتاجها مختبرات عالميَّة تحظى بدرجة عالية من الإمكانات والدعم، لكنها لا تزال قيد التجربة، فمن بين ما يقارب الثمانية مليارات من سكان العالم وصلت جرعات اللقاحات السبعة المعلن عنها لغاية ظهور مشكلات التجلط الى نحو ثلاثمئة وستين مليون إنسان فقط، لتتباين المواقف بعدها من تلقي اللقاحات، فعلى مستوى الأشخاص حدثت تخوفات كثيرة ربما دفعت ببعضهم الى العزوف عن تلقي أي لقاح، وعلى مستوى الدول فقد جاء في بعض الأنباء أنَّ «دولاً كبرى تعلق استخدام (أسترازينيكا) رغم طمأنة منظمة الصحة العالمية التي قالت: إنه «لا يوجد دليل» على وقوع حوادث تنطوي على إصابات بجلطات دمويَّة بسبب لقاح أكسفورد – أسترازينيكا»، وأضافت المنظمة في بيان أنها تراجع تقارير تتعلق باللقاح، وأكدت أهمية استمرار حملات التطعيم وقالت إنه من الجيد أنْ يجري التحقق من أي حوادث سلبيَّة محتملة، وانضمت ألمانيا وإيطاليا إلى عددٍ من الدول الأخرى التي علقت استخدام اللقاح كإجراءٍ احترازي..
فقد أعلنت وزارة الصحة الألمانية تعليق استخدام لقاح أكسفورد-أسترازينيكا فوراً، بناءً على توصية من معهد «بول إيرليش»، الجهة المختصة باللقاحات في البلاد.
ونقلت وكالة فرانس برس للأنباء عن الوزارة قولها «بعد تقارير جديدة بشأن حدوث جلطات في الأوردة الدماغيَّة ذات صلة بالتطعيم في ألمانيا وأوروبا، يرى معهد بول إيرليش ضرورة إجراء مزيدٍ من التحقيق، وصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد ذلك بوقت قصير بأنَّ فرنسا ستعلق اللقاح حتى تقدم وكالة الأدوية الأوروبية توصية جديدة.
كما مددت وكالة الأدوية الإيطالية الحظر المفروض على دفعات فرديَّة من اللقاح في جميع أنحاء البلاد، انتظاراً لقرار وكالة الأدوية الأوروبيَّة أيضا، وجاء التعليق بعد أقل من يوم من اتخاذ هولندا الإجراء عينه، وقالت إنَّ تعليقها الذي سيستمر حتى 29 آذار2021 على الأقل، بدافع الحيطة، كما أوقفت جمهورية أيرلندا والدنمارك والنرويج وبلغاريا وأيسلندا مؤقتا التطعيم باللقاح، بينما أرجأت جمهورية الكونغو الديمقراطية وإندونيسيا التطعيم. وعلقت العديد من الدول، بما في ذلك النمسا، استخدام دفعات معينة من الدواء بدافع الحيطة، وأعلنت تايلاند أنها ستبدأ استخدام اللقاح، بعد تأخير قصير في طرحه بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
هذه باختصار بعض المواقف الدولية تجاه بعض الأعراض الجانبية التي ظهرت على ما يقارب الاربعين حالة توفي أصحابها نتيجة حدوث تجلطات بعد أنْ تم إعطاؤهم جرعات من لقاح (استرازينيكا) وهو لقاح واحد من مجموعة لقاحات، فهل ستكون حالات التجلطات هذه سبباً لعزوف البعض عن اللقاحات الاخرى؟ فاذا كانت المواقف الدولية من (استرازينيكا) بهذا الشكل، فكيف بالاشخاص وهم يرون انفسهم في مفترق طرقات عدة ويرون طيفاً ملوناً لسبعة لقاحات تنتجها دول الشرق والغرب التي اتهمت ذات يوم بعضها البعض بصناعة هذا الوباء وعدته حرباً بيولوجيَّة، وعده بعض المحللين استهدافاً لشريحة كبار السن الذين أثقلت كفالتهم كاهل ميزانيَّة بعض الدول، وعده آخرون وباءً يهدف الى تغيير خارطة العالم وتغيير موازين القوى فيه، فلم يعد بمقدور أحد أنْ يفقه ما يجري حوله وأي التحليلات لنشأة هذا الفيروس هي الأقرب للحقيقة، فالحقيقة غائبة، بل مغيبة، وما يزيد الطين بلة هذا التباين حتى في تفاصيل اللقاحات المنتجة لمواجهته، فلعلها –وهو رأي من الآراء- تكون جزءاً من خطة كبرى أعدتها الأقطاب الرئيسة في الصراع العالمي فيؤدي اللقاح دور الوباء ليؤدي غرضاً معيناً ولو على المستوى البعيد، هذا الرأي وغيره مما لا نجزم به لكنه جاء في معرض تناول بعض المخاوف التي تجثم على صدر مجتمعات الأرض وهي ترى وباءً مستجداً يفتك بها وقد تعددت الأقوال في نشأته واختلفت توقيتات القضاء عليه بل أصبح يمارس قفزات يطور بها نفسه، لتكتمل حلقات هذا البلاء باختلاف في معايير اللقاحات المعدة لمحاربته فهي تختلف عن بعضها البعض حتى في درجة الحرارة التي تحفظ فيها.. لترتفع مع هذه التناقضات حرارة شعوب الأرض فتصبح مصابة بحمى القلق من اللقاح وحمى الوباء.