التجربة المغيّبة

ثقافة شعبية 2021/03/29
...

كاظم غيلان 
يزخر تاريخ القصيدة العامية العراقية بمنجزات بالغة الأهمية لفتت اهتمام الأوساط الثقافية، لاسيما بعد حركة التجديد التي بدأها مظفر النواب وتحديدا في مجموعته الشعرية الأولى (للريل وحمد).
هذه الحركة أفرزت تجارب شعرية مهمة لا يمكن اغفالها، ولعل تجربة الراحل كريم محمد حمزة من أبرزها، بل وأعطت أهميتها الأكبر لتخلصها من مؤثرات النواب التي شهدتها تجارب مجايليه، وهذا ما يؤكده أكثر من رأي منصف في ظل غياب الوعي النقدي الذي تسبب في اهمال هذه التجربة التي نأت بنفسها بعيدا عن اللهاث الإعلامي والشلليّة التي أصابت الثقافة العراقية التي اضرت بها الصراعات الايديولوجية منذ عقد الستينيات الذي شهد أعلى درجات وهج الحداثة .
لم ينصف النقد، رغم شحته تجربة كريم محمد حمزة، ولعل سلسلة المقالات التي نشرها سعدي السماوي على صفحات (الراصد) ابان السبعينيات محاولة للنيل من هذه التجربة عبر دوافع مريضة إلا أنه رد بكل وعي، فاضحا تلك الكتابة وعلى الصفحة نفسها.
عاملان يقفان خلف التغييب الذي لحق بهذه التجربة المتفردة، الأول يتمثل بانصراف كريم لعلم الاجتماع ولربما كان صاغيا جدا لنصيحة أستاذه العالم علي الوردي وانغماسه بهموم واشتغالات أكاديمية بحتة، أما الثاني فلربما كان بسبب ما تعرض له خلال سنوات الأسر الذي وقع به ابان الحرب مع إيران، وهنا أتذكر حواري الصحفي معه نهاية التسعينيات، اذ كان الشعر بالنسبة له جزءا من ماضي تاريخه أو مجرد ذكريات جميلة. 
لكريم محمد حمزة قصائد مهمة، منها (الطوفان، مواسم حزن، صحوة حلم، سونغ ماي..... الخ) الا انها بقيت خارج المتناول النقدي ماعدا إشارات صحفية عابرة هنا وهناك، كما له دراسة نقدية مهمة عن تجربة النواب الريادية (مظفر النواب بين التراث واصالة التجديد) كتبها العام 1970 وبقيت مخطوطة، لم ازل احتفظ بها، وبقي حتى رحيله عن الحياة دونما إصدار شعري باستثناء مشاركته في مجموعة (قصائد للمعركة) عام 1967 عقب أحداث حرب حزيران، الا انه نشر العديد من قصائده في الصحف العراقية. 
ملامح تجربة كريم واضحة لمن يعي الشعر فهي تمثل وعي شاعر العامية الذي يبعد منجزه عن كل ما هو غارق بالمحلية، وهذا يعود اصلا لبيئة الشاعر المدينية البغدادية، فضلا عن مغايرته السائد الذي تلاقفه الإعلام والشرائح الشعبية البسيطة التي أدمنت ذائقتها النماذج ذات الايقاع المألوف الرتيب، ومن يجيد غور اعماق الشعر سيتأكد من أهمية هذه التجربة الرائدة.