فجر محمد
لم تلتق ام عصام وام حسن الا منذ فترة قصيرة ولكنهما تمتلكان الكثير من القواسم المشتركة، فهما نازحتان من المدينة ذاتها، فبعد ان احتلت عصابات داعش الارهابية مدينتهما اضطرتا الى النزوح لوسط العاصمة برفقة اولادهما، وتكوين حياتهما الخاصة، فالابن البكر عصام امتهن الحلاقة التي ورثها عن اجداده، والابن الاصغر لام حسن يشتغل بالاقمشة والملبوسات الجاهزة، ولكنهما تشعران بالقلق على اقاربهما الذين لم يتسن لهم ايجاد فرص عمل لتعيلهم، فاضطروا الى البقاء في المخيمات التي اغلق عدد كبير منها اليوم.
تهديد
تشعر ام عصام بالحزن على اقاربها الذين لم يحالفهم الحظ في الخروج من مخيمات النازحين وتكوين حياة خاصة بهم، اذ قالت ام عصام: "لقد كنا محظوظين انا واسرتي وجارتي ام حسن واولادها، اذ تمكنا من الاستقرار والعيش بشكل كريم، ولكن هناك الآلاف من الاقارب والجيران وسكان المدن المحررة الذين خسروا بيوتهم واضطروا الى السكن في المخيمات، وهم مهددون اليوم بالنزوح الى المجهول مرة اخرى".
مجهول
وبحسب منظمة حقوق الانسان العالمية هيومن رايتس ووتش، فانه تم غلق اكثر من عشرة مخيمات تضم المئات من النازحين، وهذا يعد اجراء غير صحيح ومتسرعاً في الوقت الحاضر ويدفع بالقاطنين فيها الى المجهول، لذك من المفترض أن تكون هناك دراسة واسعة لموضوع الغلق.
رحلة صعبة
تجلس ام عصام وسط دارها المتواضعة التي تضمها هي وولدها عصام واسرته الصغيرة وابنتها وسن، وتستذكر ام عصام ايام النزوح الاولى والدموع تترقرق في عينيها، قائلة: "ما زلت اتذكر اللحظات الاولى للنزوح عندما اضطررنا الى ترك منازلنا وحياتنا باتجاه المجهول، اذ وصلنا الى المخيمات التي كنا نسمع بها سابقا، لكن لم نتوقع أن نعيش فيها لفترة من الزمن، لقد كنا في وضع نفسي سيئ جدا ومرعب والخوف يتملكنا من المستقبل وما ينتظرنا ".
مشكلات نفسيَّة
عندما سيطرت عصابات داعش على عدد من المدن، انشئت مخيمات في محافظات متعددة من بينها الانبار وصلاح الدين و نينوى، واليوم تعتزم الجهات الحكومية غلق عدد آخر من هذه المخيمات واعادة سكانها الى مناطقهم الاصلية، وهذه العودة يصفها الكثيرون بالاجبارية التي ستتسبب بمشكلات اجتماعية واقتصادية ونفسية لاحقا.
ظروف عصيبة
تتواصل ام حسن مع قريبتها ليلى محمد (37 عاما) التي اضطرت للبقاء في المخيم مع اسرتها خوفا عليهم من المجهول، ولكن ام حسن تحتفظ بصورها الاسرية المشتركة مع قريبتها في منزلها الذي انهار بسبب الحرب التي اندلعت في منطقتها السكنية، وتتذكر تلك الايام التي كانوا فيها ينعمون بالاستقرار.
تشير الاحصائيات الى وجود آلاف النازحين الذين تعرضوا لظروف صعبة، ولم تقدم لهم خدمات تليق بانسانيتهم، هذا ما بينته الاكاديمية في الجامعة المستنصرية الدكتورة سهاد القيسي متابعة القول: "ان هؤلاء المهجرين والنازحين من منازلهم، قد يتحولون الى اعداء للمجتمع وقنابل موقوتة من الممكن انفجارها في أي لحظة، لذلك من الضروري العمل وفق برامج تأهيل دقيقة".
حالات انتحار
سجلت دوائر الصحة في اقليم كردستان عدداً من حالات الانتحار بين صفوف النازحين، وتعزو هذا الامر الاكاديمية والباحثة بالشؤون النفسية والاجتماعية الدكتورة ندى العابدي لغياب الظروف الاقتصادية والبيئية التي تكفل لهم حياة كريمة، وتتابع العابدي قولها: "مازال عدد لا يستهان به من النازحين الذين اضطرتهم الظروف الصعبة وهجمات داعش الارهابية على مناطقهم الى النزوح، لم تتم الى الان معالجة الدمار النفسي الذي تعرضوا له وهذا ما زاد من حالات الانتحار بين صفوفهم، لاسيما اولئك الذين قتلت اسرهم وذووهم امام انظارهم من قبل الدواعش، ولكي يعودوا لابد اولا من تأهيل المناطق ومحو مشاهد الدمار التي مازالت تغطيها".
بطالة
يجمع الباحثون بالشأن الاقتصادي على ان العودة غير المنظمة للنازحين الى مناطقهم السكنية المدمرة، ستزيد من المشكلات الاقتصادية، فضلا عن البطالة بشكل كبير لذلك لابد من القيام بخطوات اقتصادية مدروسة ثم اعادتهم.
نشاط انساني
تزور منظمات المجتمع المدني والانسانية بين الحين والاخر المخيمات لتقديم يد العون للنازحين، فضلا عن توفير مواد غذائية وملابس وغيرها من الاحتياجات الاخرى، ولكنها جهود بسيطة لا تفي بالغرض، وبحسب الناشطة سراب جليل فان تلك المخيمات تعاني من ظروف معيشية قاهرة لا تطاق، ولكي ينهض بواقعهم لابد من بذل جهود جبارة وكبيرة، وان يكون هناك تنسيق عالي المستوى مع الجهات المعنية.