جواد علي كسار
بين الصدر وشريعتي حوار انطلق ولم يكتمل. بدأت القصة عندما كتب السيد الصدر مطلع سبعينيات القرن الماضي، تصديراً مطوّلاً لكتاب المؤرّخ والأكاديمي العراقي المتميّز عبد الله فياض
(1917 ـ 1983م) الموسوم: «تأريخ الشيعة الإمامية وأسلافهم»، سرعان ما تحوّل إلى كتيّب قائم بنفسه تكرّرت طباعته عشرات المرّات، بعنوان «بحث حول الولاية».
في إيران بادر الشيخ علي حجتي كرماني (ت: 2000م) إلى طبعه وترجمته بالتنسيق مع السيد الشهيد وتحت إشرافه، وقد زادت طبعاته بالفارسية على الثلاثين، رأيتُ منها الطبعة الرابعة والعشرين، ما يدلّ على الحماس الكبير للساحة الإيرانية، وتفاعلها الشديد مع أطروحة الصدر في هذا الكتاب.
كان من بين أهمّ مظاهر التفاعل الفكري في الساحة الإيرانية، مع بحث «التشيّع والإسلام» بحسب العنوان الأول الذي صدرت به الأطروحة للمرّة الأولى كمقدّمة لكتاب الفياض، وقبل أن تشتهر بعنوان: «بحث حول الولاية»؛ هو مراجعة مطوّلة كتبها علي شريعتي بخطّ يده، أرفقها بملاحظات ناقدة لمحورين أساسين في أطروحة الصدر، هما مدى كفاءة الصحابة في قيادة تجربة الحكم بعد النبي، والأهمّ من ذلك مناقشته الموسّعة لنظرية الشورى في الحكم.
ما أن وصلت ملاحظات شريعتي إلى كرماني، حتى بعث من فوره بنسخةٍ منها، إلى السيد الصدر في النجف الأشرف، بدوره بادر الصدر للردّ على إثارات شريعتي وملاحظاته الناقدة، وجهزها برسالة خاصة بعث بها إلى إيران، لكي تُقدّم إلى شريعتي وتُطبع مع رسالته، إيماناً منه بأن من مسؤولية المرجعية الصالحة، النهوض بأعباء التوضيح الفكري. ليس هذا فحسب، بل كان يعتقد أن شريعتي يمتلك قدرة بيانية عالية، ولغة يتفاعل معها المجتمع ولاسيّما الشباب، وقد كان يفكر بفتح جسر ارتباط يتواصل من خلاله مع شريعتي، يزوده بالأفكار، ويعالج بعض أخطائه الفكرية، بأسلوب تواصلي إيجابي غير صِدامي، ينطلق من بوابة الاحترام وتقدير دوره الدعوي.
شكّل الجواب أزمة لبعض تلامذة الصدر وأصحابه في إيران، فامتنعوا عن نشره بذريعة أن فيه دعماً لشريعتي، الذي كان يقود معركة قاسية مع لفيف من رجال الدين في إيران حول افكاره ومنهجه، وربما فكر هذا الفريق من تلامذة الصدر وأصحابه، بكسب موقف الصدر في النجف الأشرف، ضدّ شريعتي أو أن يكون على الحياد.
بقيَّ الصدر واضحاً أقرب ما يكون إلى شريعتي، رافضاً لغة الصراع معه في إيران وخارجها، وقد وضع تلامذته في إيران أمام خيار، هو أن يثبتوا مدعياتهم المعادية لشريعتي، عن طريق: «الاستشهاد بنصوص من كلامه ومن كتبه، استشهاداً محدّداً مع تعيين الصفحة والكتاب» كما كتب ذلك في رسالة لهم، ولم يفعل ذلك أحد!
بقية القصة معروفة، فقد غادر شريعتي إلى لندن وتوفيَّ هناك عام 1977م بطريقة غامضة، وبعده بأقلّ من ثلاث سنوات غادر الصدر إلى ربه شهيداً، فضاعت فرصة ثمينة للبحث العلمي والتواصل المعرفي بين هذين العلمين، تماماً كما ضاع الردّ الذي كتبه الصدر لشريعتي، ولم يُعثر عليه للآن!