تأسيس منتدى بحثي يُخلد اسم وأثر الراحلة نوال السعداوي

منصة 2021/04/04
...

 حاوره: حارث حمزة الخفاجي 
* ما هي الأهداف التي يسعى اليها منتدى (نوال السعداوي لدراسات المرأة)؟
- المنتدى سيجمع بين النشاط النظري العلمي من جهة، والذي سيتناول الدراسات النسويَّة والدراسات المتباينة التي تحلل واقع المرأة والجذور الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والثقافيَّة والدينيَّة لعدم مساواتها بالرجل، وذلك من خلال إعداد الدراسات وتنظيم الحلقات الدراسيَّة والمؤتمرات العلميَّة وإصدار المجلات والكتب من جهة والنشاط الجماهيري، إذ سيأخذ على عاتقه تنفيذ الفعاليات الجماهيريَّة والحملات دفاعاً عن قضاياً المرأة من جهة أخرى.
* هناك كثيرٌ من المنظمات النسويَّة التي تتفق مع منطلقات المنتدى، فهل ستسعون لنوع من الشراكة أو التشبيك؟
- بالتأكيد.. إنَّ الشراكة والتنسيق تسهمان في تبادل الخبرات والتعاون على إنجاز الفعاليات الكبيرة والمهمة، إذ سيعمل المنتدى على التنسيق مع المؤسسات البحثيَّة والحركات النسويَّة المعنيَّة بقضايا المرأة وتحررها، وستكون لدينا خطة ومعايير بهذا الاتجاه، ترتكز بالأساس على المشتركات مع مختلف المؤسسات والتحالفات والشبكات النسويَّة.
 
* هل سيكون المنتدى معنياً بالإنتاج الفكري للراحلة الدكتورة نوال السعداوي، أم أنه سيتناول قضايا نسويَّة أوسع؟
- حمل المنتدى اسم الراحلة الدكتورة نوال السعداوي تكريماً لدورها الكبير لما قدمته من إسهامات فكريَّة نظريَّة عميقة بمجمل الحركة النسويَّة والدراسات النسويَّة على وجه التحديد، وهو سيعتمد قضايا المرأة وأزماتها وتحررها على وجه الخصوص وهو بذلك سيكون معنياً بالتأكيد بإسهامات الراحلة الدكتورة نوال السعداوي الى جانب كل الإسهامات الفكريَّة التي تصب بهذا الاتجاه، فالمنتدى سيكون معنياً بمجال الدراسات النسويَّة وهذا ما تفتقده الحركة النسويَّة في المنطقة العربيَّة، فالتغييرات الديمقراطيَّة والتحرريَّة للمجتمعات لن تجد لها طريقاً من دون تحليل علمي للواقع يزود كل المدافعين عن الحريَّة بالسلاح الفكري.
 
* تزخر الساحة العربيَّة اليوم بالمنظمات والمؤسسات والجمعيات النسويَّة، ما هي الإضافة المتوقعة التي سيحققها المنتدى؟
- صحيح هناك الكثير من المنظمات النسويَّة في الساحة وهي تسهمُ- إلى حدٍ ما- بأثر إيجابي لكنها ما زالت في أغلبها بعيدة عن قضيَّة تحرر المرأة، إذ يجب التمييز بحذر بين منظمات ومؤسسات نسويَّة تؤمن بأنَّ تحرر المرأة جزءٌ لا يتجزأ من تحرر المجتمع، والمجتمع الذي لا يضمن مساواة تامة للمرأة بالرجل يعدُّ مجتمعاً غير حر، وبين منظمات “نسويَّة” تعمل بالضد من مساواة المرأة بالرجل، كما هناك فرقٌ بين منظمات نسويَّة تسعى للرعاية الإرشاديَّة وتنظيم ورش ودورات لتعليم مهن أو محو الأميَّة، رغم إيجابيته إلا أنه لا يرقى إلى قضيَّة تحرر المرأة كجزءٍ أساسي من تحرر المجتمع، لذا فالمنتدى سيكون ضمن المؤسسات القلائل على العمل الفكري النظري والتي تسعى لتزويد الحركات النسويَّة التحرريَّة بسلاح نظري في صراعها من أجل المساواة التامة للمرأة والرجل. 
* ألا تعتقدون أنَّ التمكين الاقتصادي للمرأة يسهم في تحررها السياسي والاجتماعي؟
- المنظمات النسويَّة هي بالأساس منظمات سياسيَّة حقوقيَّة أكثر من كونها منظمات اجتماعيَّة وخدميَّة، أي أنها تسعى لإحداث تغييرات جوهريَّة بالنظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي والمنظومة القيميَّة للمجتمع، لذا فأي أدوار أخرى هي ثانويَّة ومساعدة لمهام المنظمات النسويَّة الجوهريَّة والتي يجب ألا تفرغ المنظمات النسويَّة من مهمتها الجوهريَّة.
من جانب آخر إنَّ التمكين الاقتصادي يسهمُ في في التحرر الاقتصادي لكنه لا يسهم بالتحرر السياسي والاجتماعي، فما زال النظام الاجتماعي في كثير من مفاصله ينظر إلى المرأة نظرة دونيَّة فهو مزود ببنيَّة ثقافيَّة وقيميَّة وأخلاقيَّة ودينيَّة تضع المرأة بمكانة أدنى من الرجل، فضلاً عن ذلك علينا الوقوف عند شكل هذا التمكين الاقتصادي: أين يقع دور المرأة بعمليَّة الإنتاج الوطني، فليس المهم فقط أنْ يكون للمرأة دخل خاص من عمل هامشي ضمن عجلة الإنتاج الوطني، ولكن علينا كباحثين تتبع حجم دورها ومكانتها بعمليَّة الإنتاج الوطني.
على سبيل المثال إنَّ جمع التبرعات وتوزيع المساعدات بين المحتاجين والفقراء عمل إنساني، لكنه بالوقت ذاته لا يناضل ضد الاستغلال الاجتماعي والتوزيع غير العادل للثروة، كما أنه يسهمُ من جانب آخر “وبحسن نيَّة” بإخفاء الظلم الاجتماعي.
 
* يشكل الدين او المقدس اليوم مكوناً أساسياً من الوعي الاجتماعي لمنطقتنا العربيَّة، إذ تشكل كثيرٌ من المفاهيم التحرريَّة تقاطعاً مع المنظومة القيميَّة والدينيَّة؟
- السلطة والقوى الاجتماعيَّة التي تقف وراءها تخوض في سبيل الحفاظ على مكاسبها صراعاً توظف فيه كل ما يقع تحت يدها من أدوات. ومن بين تلك الأدوات الدين، لذا فإنَّ الصراع الاجتماعي غير موجهٍ بالضد من الدين كعقيدة وإيمان وعبادات وإنما الصراع هو ضد توظيف الدين اجتماعياً، لذا فالسلطة والقوى الاجتماعيَّة التي تقف وراءها تختبئ خلف المقدس، فتنقل المعركة من صراع ضد الظلم الاجتماعي واضطهاد المرأة لنقد الدين، وإذا كانت قيم المجتمع وعاداته تتناقض مع أيٍ من قيم المساواة التامة بين البشر والعدالة والكرامة، فعلينا بالفعل النضال من أجل قيم اجتماعيَّة أكثر إنسانيَّة.
* أغلب الذين يقفون بالضد من تحرر المرأة ومساواتها بالرجل يجدون أنَّ تحرر المرأة يؤدي للانحلال الأخلاقي؟
- هذا يعود بالأساس لسببين: الأول لأنَّ البعض من دعاة حريَّة المرأة حصر تحررها بالجانب الجنسي وأصبحت هذه الدعوة للحريَّة مبتذلة وتصب في خانة القوى الرجعيَّة أكثر مما هي تخدم قضايا المرأة وتحقيق حريتها ومساواتها، فحصر التحرر بالجنس والابتذال الجنسي يسيء للمرأة كإنسان واعٍ ومسؤول، فمن يرى أنَّ المرأة وعاء للجنس ولإشباع الرغبات الجنسيَّة للرجل من جهة، ومن يمارس الابتذال الجنسي من جهة أخرى، كلاهما ينطلقان من جوهر المنطلقات الفكريَّة ذاته وان اختلفا اختلافا شاسعاً بالظاهر. 
فالابتذال الجنسي هو الإفراط بتداول مفاتن المرأة والممارسة الجنسيَّة، فلا يجد بالمرأة غير مفاتنها الجنسيَّة أو يراى بتلك المفاتن الأكثر أهميَّة، وهو احتقارٌ للمرأة ولإنسانيتها الكاملة والتي لا تختلف عن التعامل معها كجارية، وبالتالي فكلا الفريقان يتعاملان مع المرأة كسلعة جنسيَّة إنْ كانت بثمن عند الفريق الأول أو مجانيَّة عند الفريق الثاني.
أما السبب الثاني فيعود لفهمنا لموضوع الأخلاق، وهل الأخلاق قيمٌ ثابتة أم متغيرة؟، فالأخلاق هي معيارنا لتحديد الصواب من الخطأ والذي يعتمد على عدة مصادر، الدين والتربية والعادات والتعلم، لذا فالمنطلقات الفكريَّة التي تتعامل مع المرأة ككائن قاصر يؤدي بالنتيجة للحكم على أنها غير قادرة على تحديد الصواب من الخطأ بشكلٍ حر، وإلا هل حريَّة الرجل تؤدي للانحلال الأخلاقي؟!
الاستبداد لا يقوم على فراغ فكري، وإنما يقوم بالأساس على أنَّ الآخر غير قادرٍ على معرفة مصالحه أو حمايَّة نفسه، لذا فتسلب حريته لأنه يسيء استخدامها، لذا فإنَّ حريَّة المرأة تعني لدى الفكر الاستبدادي الانحلال الأخلاقي لأنها غير قادرة على إصدار حكم أخلاقي صائب وهذا هو بالأساس المنطلق الفكري للاستبداد واضطهاد المرأة على حدٍ سواء.
 
* أين تجدون مكانة حريَّة المرأة وضمن أي حراك لإحداث تحولات ديمقراطيَّة؟
- تحرر المرأة هو تحرر سياسي واجتماعي والذي يتطلب إحداث تغييرات جذريَّة بالمنظومة القانونيَّة والقيميَّة، لذا فإنَّ حريَّة المرأة ومساواتها التامة حجرٌ أساسٌ بأي حراك يراد منه تكريس مفاهيم المساواة والكرامة والحريَّة، وتشكل دراسات المرأة ودراسات الحركات النسويَّة أهميَّة قصوى في تحليل التحولات الديمقراطيَّة ومسار اتجاهاتها ومكانتها في مجمل الحراك الاجتماعي التحرري.
الأولويَّة هي “للحس الإنساني الفطري”، يجب أن تتحرر المرأة من أنوثتها، أي أنها لا تنظر للعالم من خلال أنوثتها، وإنما كإنسانٍ واعٍ ومسؤول، وبالتالي لا تكون عبدة ومملوكة لمفاتنها الأنثويَّة وذلك باستخدام المرأة لأنوثتها والتي تتمثل بجسدها لتحقيق أي أهدافه.
لذا فاي حركة تسعى لإحداث تحولات ديمقراطيَّة جوهريَّة يجب أنْ يكون للحركة النسويَّة دورٌ فيها، كما أنَّ أي حركة نسويَّة لن تحقق أهدافها إنْ كانت بمعزلٍ عن القوى التحرريَّة الأخرى في المجتمع.